ارض الفيروز
تاريخ سيناء القديم والحديث يؤكد دائما أهمية هذه القطعة من أرض مصر فمنذ الحضارة الفرعونية حتى يومنا هذا لم يفصلها عن الوطن الأم أطماع الطامعين ولا غزوات الغزاة الحاقدين وفى جميع مراحل التاريخ عرفت بالوفاء والعطاء وكانت مسرحا دائما للبطولات وأكتسبت سيناء مكانتها الفريدة من عوامل عده أهمها :
- موقعها الذى جعل منها همزة الوصل بين دول المشرق والمغرب العربى ومدخل مصر الشرقى
- موقع مصر الممتاز بين ثلاث قارات بجانب وادى النيل الخصيب الذى يشقه نهر النيل العظيم بما عرف عنه من رخاء جعل من سيناء مدخلا لغزوها وإن كانت دائما مقبرة للغزاة والطامعين
- ما أشتهرت به سيناء من معادن نفيسة مثل الفيروز والنحاس فى جنوب سيناء والمنجنيز الذى يدخل فى صناعة الحديد والصلب خاصة الصلب الغير قابل للصدأ وأهم مناجمه فى أم بجمة وكذلك الفحم الذى أكتشف منجمه فى جبل المغارة والبترول الذى تتركز آباره فى الجزء الجنوبى الغربى على الساحل الشرقى للبحر الأحمر
وشهدت أرض سيناء كثيرا من المعارك منذ أقدم العصور ففى العصر القديم شهدت أرضها فلول الهكسوس يطاردها ويبيدها الملك أحمس بعد أن مكثت فى مصر غازية لوقت طويل وكذلك شهدت الحروب الصليبية وجيش الناصر صلاح الدين الأيوبى وهو يلحق بهم هزيمة تلو هزيمة حتى إستطاع أن يهزمهم الهزيمة الكبرى فى موقعة حطين وأن يتوج إنتصاراته بإسترداد بيت المقدس من أيديهم وأيضا مطاردة المغول من قبل جيوش مصر بقيادة الملك قطز والظاهر بيبرس التى أوقعت بها شر هزيمة فى موقعة عين جالوت هذا بخلاف الحروب والغزوات الطويلة التى شهدتها أرضها فى عهد الفراعنة والتى تشهد بها آثارهم الموجودة حتى الآن من واقع اللوحات والتماثيل الفرعونية الموجودة جنوبى المغارة فى منطقة سرابيط الخادم وكذلك الحاميات التى وجدت عند رفح وغزة .
وفى سنة 1948 عام النكبة وقعت المعارك بين الدول العربية والكيان الصهيونى على أرض فلسطين وسيناء التى إنتهت بإغتصاب فلسطين وإغلاقها فى وجه سيناء مما قضى على رحلة الخير التى كان يقوم بها أهل سيناء إلى فلسطين فى كل عام حيث كانوا يمضون هناك بضعة أشهر حتى ينتهى موسم الحصاد والذى كان يدر عليهم خيرا كثيرا يصل إلى ربع المحصول أو ثلثه فى بعض الأحيان وربما يتجمع لكل منهم من دخل كانوا يشترون به الجمال بسعر أرخص من بلاد نجد فى الحجاز ثم يبيعونها فى مصر بسعر مجزى وأيضا شهدت معارك العدوان الثلاثى سنة 1956 التى إنتهت بإحتلال معظم سيناء حتى حدود قناة السويس نتيجة إعلان الزعيم جمال عبد الناصر تأميم القناة لبناء السد العالى وهنا ظهر دور أبناء سيناء مع بعض القوات المسلحة التى كانت مازالت فى أعماق سيناء رغم إنسحاب معظم القوات فكان أبناء سيناء يقدمون كل ما لديهم رغم مواردهم المحدودة من مؤن ومياه حاملين الجرحى على الجمال سائرين بهم عبر مسالك الصحراء الفرعية والمجهولة حتى الوصول إلى بر الأمان فى مدينة القنطرة شرق أو شرق الإسماعيلية أو إلى قسم الشط شرق السويس .
كما تطوع بعض أبناء سيناء بالبحث عن التائهين والضالين وكان معظمهم من المصابين فكانوا يستضيفونهم حتى يضمدوا جراحهم علاوة على إخفائهم للسلاح المصرى عن أعين المحتلين خاصة فى المقابر بعد خروجهم بها فى نعش وجنازة مهيبة كوسيلة ذكية للتمويه والخداع فاقت ذكاء الصهاينة وفى سنة 1967 عام النكسة كان لهم نفس الدور البطولى بل إزداد حجما فقد قام الجميع حضرا وبدوا بما كلفوا به من قبل الجهات المعنية وكان تلاحم أبناء سيناء مع القوات المسلحة حيث الصمود والردع فى حرب الإستنزاف وحرب 6 أكتوبر التى نالوا فيها شرف العبور قبل بدء ساعة الصفر لإستطلاع مواقع العدو ووقع البعض منهم فى قبضة الصهاينة حيث حوكم بالمؤبد وظل فى السجون الصهيونية إلى أن تم الإفراج عنهم بموجب تبادل أسرى الحرب .
أما شباب سيناء فى المهجر فقد سارع منذ إندلاع الشرارة الأولى للحرب متطوعا فى كتائب وفرق الدفاع الشعبى والمدنى حيث ساعد فى حفر الخنادق والملاجئ ومنهم من تبرع بدمه من أجل جرحى المعركة وفى مجال التبرع للمجهود الحربى إبان المعركة سارع أبناء سيناء فى المهجر إلى مواقع البنوك ليدفع كل منهم قدر طاقته مما قل أو كثر ضريبة للجهاد المقدس عن طواعية ورضا كاملين وكم نقلت الإذاعة أحاديثهم إلى ذويهم من الصامدين بالأرض المحتلة موصية إياهم بالتلاحم مع قواتهم المسلحة ومآزرتها فى مهامها القتالية عبر برنامجى "الشعب فى سيناء" على موجات إذاعة صوت العرب و"صوت سيناء" على موجات إذاعة البرنامج العام .
وهناك العديد من أمثلة تلاحم أبناء سيناء ومعاونتهم لأفراد قواتنا المسلحة منها على سبيل المثال لا الحصر أنه بعد توقف القتال وفك الإشتباك بين القوات تم إنسحاب الصهاينة من الثغرة وكان مايزال هناك فى عمق سيناء بعض أفراد من قوات الصاعقة عند أهلهم وذويهم من أبناء سيناء يتقاسمون الطعام والشراب وأستمر الحال هكذا قرابة الستة أشهر وبعدها قام فريق المجاهدين من أبناء سيناء بقيادة هذه المجموعات على دفعات متعاقبة تسللا رغم مخاطر الطريق ودوريات العدو إلى أن وصلوا بهم إلى بر الأمان فى القاهرة حيث أستقبلهم وقتها المرحوم المشير أحمد إسماعيل نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع وزين صدورهم بالنياشين تقديرا لدورهم وإكبارا لبذلهم وكذلك الشاب البدوى الذى كان مطاردا من القضاء منذ ما قبل النكسة هاربا فى حوف الصحراء بعيدا عن الأعين ولما علم بنبأ المعركة خرج من مكمنه يشارك بجهده فى المعركة بما ما ملكت يداه إرشادا وقتالا وإيواء متناسيا أنه هاربا من القضاء ولقد توج عمله بحضوره إلى القاهرة متسللا ومعه 16 ضابطا وجنديا بعد ستة أشهر من بداية معركة 6 أكتوبر وأستحق وقتها تقدير المسئولين فى القاهرة .
أما منظمة سيناء العربية فقد قام أعضاؤها بأدوار بطولية خلال الفترة من بداية العدوان الثلاثى حتى حرب 6 أكتوبر وسقط من رجالها العديد لكل منهم قصة ومثلا فى التضحية والوفاء وقد مرت هذه المنطقة بست مراحل من كفاحها عبر التاريخ هى :
عهد الفراعنة
عاش المصريون فى ظل الحضارة الفرعونية فى سيناء يعملون على البحث عن الفيروز والنحاس ولقد تركت الأسر القديمة بصماتها على شبه الجزيرة من خلال عمليات التعدين التى كانوا يقومون بها فى الشتاء حيث تخرج الحملات المصرية إلى الجزء الجنوبى من شبه الجزيرة لتعود محملة بالخير قبل أن يدركها فصل الصيف بلفحاته الحارقة ولقد تركت الأسر المصرية بصماتها على كل موقع من المواقع التى كانت تحل بها وإلى يومنا هذا توجد آثار تؤكد أعمال تلك الأسر بجهة *سرابيط الخادم و*المغارة جنوبى سيناء ومن هذه الآثار التى تركها الفراعنة كأقوى دليل على تواجدهم فى شبه الجزيرة هيكل سرابيط الخادم الذى يقع فى شمال بلاد الطور ويقدر طوله بحوالى 76 متر وعرضه بحوالى 15 متر يحيط به سور يبلغ طوله حوالى 80 متر وعرضه حوالى 35 متر وبالهيكل يوجد كهف الإلهه حتحور التى كانت تلقب بسيدة جبل الفيروز وكهف الإله سوبد الذى لقب بإله الشرق .
أما فى المغارة فقد ترك لنا المصريون القدماء كتابات على الصخور بالكتابة الهيروغليفية هذا بخلاف السد الذى أقاموه والمساكن الخاصة بعمال التعدين وأمتدت آثار المصريين القدماء إلى ساحل سيناء الشمالى حيث توجد آثار لمدينة قديمة بها قلعة شمس أو *الفرما تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط كما إمتدت آثار المصريين القدماء إلى مدينة غزة وتتمثل فى تلك الحاميات الفرعونية القديمة عند رفح وغزة التى كشف عنها العالم البريطانى *فلندرز بترى أستاذ الآثار المصرية بجامعة لندن وهكذا كان المصريون القدماء يعيشون فى سيناء كإمتداد لواديهم أو كغزاة كما إدعى البعض مستشهدين بتلك اللوحات التى ظهر فيها الفرعون وهو يضرب مؤدبا أحد بدو سيناء وبرهاننا على أن هذه أكذوبة يتمثل فى الآتى أن رحلة التعدين التى قامت بها معظم الأسر المصرية القديمة والتى تستغرق قرابة الفصل بأكمله إلى جانب ما تستلزم من مجهود شاق كالحفر بين ثنايا الجبال وفى أعماق الأرض ما كان يمكن لغزاة أن يقوموا بمثلها وهم فى خوف وترقب من أصحاب البلاد الشرعيين وليس فى مقدور أى زائر أو غازى أن يخلف وراءه هذه الآثار التى شملت شبه الجزيرة بطولها وعرضها بل إمتدت إلى خارجها حيث شملت رفح وغزة مما يؤكد أن السيادة المصرية قد إمتدت فعلا إلى هذه المناطق وما كان لأحد أن يشيد هذه الحاميات غير المصريون القدماء أما عن هذه اللوحات التى يظهر فيها الفرعون وهو يضرب أحد بدو سيناء فلا يمكن أن يؤخذ إلا على أنه علاقة بين حاكم ومحكوم وهذا أمر يحدث فى كل زمان مع إختلاف الوسائل المستخدمة طالما أن الدولة لا تعمل بمبدأ الديموقراطية .
عهد اليونان والرومان
حكم اليونانيون كلا من مصر وسوريا على يد الإسكندر الأكبر سنة 332 قبل الميلاد وقد جاء من بعدهم خلفاؤهم البطالسة فى مصر والسلوقون فى سوريا وقدر لهؤلاء الخلفاء أن يدخلوا حربا مع الرومان وكان النصر فيها حليفا للرومان فملكوا سوريا سنة 1964 قبل الميلاد وفتحوا مصر سنة 1930 قبل الميلاد وأستمر حكمهم على القطرين إلى أن فتح المسلمون سوريا سنة 638 ميلادى ثم مصر سنة 640 ميلادى وقد خلف اليونان والرومان العديد من الآثار النادرة لاسيما فى الجزء الشمالى من شبه الجزيرة ومن أهم هذه الآثار دير طور سيناء الذى مازال موجودا حتى الآن .
بعد الفتح الإسلامى
هناك فى دير طور سيناء صورة عهد قديم نسب إلى النبى محمد (ص) يعرف بالعهد النبوى وأنتهت جهود الباحثين إلى أن تقاليد رهبان هذا الدير تشير إلى أن النبى محمد (ص) قد كتب لهم هذا العهد فى السنة الثانية للهجرة أمانا لهم وللنصارى كافة على أموالهم وأرواحهم كما أشارت الدراسات إلى أن السلطان سليم العثمانى قد أخذ منهم العهد ونقله إلى الأستانة سنة 1517 وترك لهم صورة منه بعد ترجمتها إلى التركية وهذا ما أوضحه دفوم شقير فى كتابه عن تاريخ سيناء ويقول الأستاذ سالم اليمانى فى كتابه "سيناء الأرض والحرب والبشر" أنه توجد فى دير طور سيناء صورة من هذا العهد حتى الآن وكذلك فى بعض الأديرة بالقاهرة توجد عدة صور لهذا العهد المكتوب ورغم إختلاف الرواة عن صحة هذا العهد النبوى إلا أن الرأى الغالب يؤكد صحتها .
لقد تم فتح مصر فى عهد عمر إبن الخطاب بقيادة عمرو إبن العاص عن طريق سيناء ثم تعاقب عليها بقية الخلفاء الراشدين وأنتقلت الخلافة إلى الدولة الأموية التى أخذت من دمشق عاصمة لها ثم الدولة العباسية التى إتخذت بغداد عاصمة لها ثم الدولة الفاطمية التى تركت من آثارها فى سيناء مسجدا بدير الطور الذى بناه الحاكم بأمر الله ومازال قائما إلى اليوم ثم غزا الصليبيون الشرق فى الفترة ما بين 1086 ـ 1270 ثمانى مرات بحجة ظلم الأتراك لنصارى الشام وحجاج بيت المقدس فأحرق ملكهم بلدوين مدينة الفرما بسيناء بكامل أهلها ومساجدها وإليه ينسب إسم بحيرة البردويل أحد أهم مصادر الثروة السمكية حتى الآن وبعد الصليبيين جاءت الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبى وإليه يرجع الفضل فى دحر الصليبيين فى أهم موقعة هى موقعة حطين فحرر بيت المقدس من غزو الصليبيين ومن أهم آثار الأيوبيين فى سيناء قلعة "الجندى" بالقرب من عين سدر وقرية مبعوق وبجوارها مسجدان .
ثم جاءت الدولة المملوكية البحرية ومن أشهر ملوكها الظاهر بيبرس الذى إنتصر على المغول فى موقعة عين جالوت ثم دولة المماليك الشراكسة ومن أشهر ملوكها قنصوه الغورى بانى قلعتى "نخل" و"القضية" بسيناء ثم حلت الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول الذى هزم قنصوه الغورى فى موقعة مرج دابق قرب حلب ثم إستمر زحفه إلى الجنوب حيث تمكن من فتح غزة والعريش وقطية ثم تقدم إلى الصالحية 1516 وأستمر حكم العثمانيين لمصر حتى قيام الحرب العالمية الأولى 1914 فخرجت من سيادتهم وخلال فترة حكمهم كانت الحملة الفرنسية على مصر على يد نابليون بونابرت وقد أقر بونابرت إمتياز رهبان دير طور سيناء الخاص بمنحهم الأمان الممنوح لهم عن طريق العهد النبوى وقام بونابرت بترميم سور الدير المذكور بسيناء .
وفى عام 1805 بدأ حكم أسرة محمد على لمصر وكانت سيناء من جملة ما دخل فى حوزته من أملاكها وتبعت الطور محافظة السويس ونظارة العريش كانت تتبع مباشرة نظارة الداخلية وقد شهدت سيناء مسيرات حربية فى حملة إبراهيم باشا إبن محمد على على سوريا حيث إتخذ من طريق العريش بسيناء مسارا له بموازاة ساحلها الشمالى حتى وصل إلى عكا فحاصرها برا وبحرا وتمت سيطرته عليها فنجح فيما فشل فيه بونابرت حيث حاصرها برا فقط ثم توغل حتى فتح دمشق والشام وقد شهدت سيناء عدة إصلاحات فى عهد إبراهيم باشا حيث قام بترميم بعض آبار المياه بجهة قطية وبئر العبد والشيخ زويد كما نظم لأول مرة بريدا على ظهر الجمال عبر سيناء وحتى غزة وجعل محطاته القنطرة شرق وقطية وبئر العبد وبئر المزار والعريش والشيخ زويد ورفح وخان يونس وغزة ومازالت هذه المحطات تحتفظ بأسمائها حتى أنها أصبحت ومازالت محطات سكة حديد وفى عهد عباس تم بناء حمام فوق الننبع الكبريتى قرب مدينة الطور وتم حفر قناة السويس فى عهد سعيد وأمتدت آثارها إلى سيناء حيث أقام حجر صحى للحجاج بمدينة الطور عام 1858 .
وفى عهد إسماعيل تم إرسال لجنة علمية للتنقيب عن المعادن فى بلاد الطور كما أنشأت مدينة القنطرة شرق على الساحل الشرقى لقناة السويس التى أفتتحت للملاحة فى 17 نوفمبر 1869 وقد خلا عهد توفيق من أية زيارات أو إصلاحات فى سيناء حيث قامت الثورة العرابية فى 1882 وهو نفس العام الذى إحتلت بريطانيا فيه مصر إلى أن جاء عباس حلمى الثانى فقام بزيارة مدينة الطور 1896 وزيارة العريش 1898 بجانب زيارة أعمدة الحدود وتم فى عهده تجديد بناء جامع العريش وترميم بئر قطية وحفر بئرا جديدا عند النبى ياسر بجهة العريش .
الإحتلال البريطانى
وقعت سيناء كجزء من أرض مصر ضمن مناطق النفوذ البريطانى منذ أن إحتلت بريطانيا مصر 1882 وأهتم المحتلون بهذا الجزء من أرض مصر لا إنماء وتطوير بل تخلفا وتدمير مستغلين فى ذلك قناة السويس كمانع مائى يفصل بحكم وضعه بين الوادى وسيناء مانعين دخولها على أى مصرى إلا بتصريح خاص ولم يهتم المحتلون بحالة سيناء التعليمية بل لجأوا إلى تكريس الأمية فيها كما لم يوجهوا أى إهتمام من الناحية الإجتماعية لسكان هذا الجزء من الأرض المصرية فنراهم تارة يتبعونها لإدارة إستخباراتهم حتى عام 1906 وتارة آخرى لسلاح الحدود حيث تعاقب على حكمها ثلاثة من المحافظين الإنجليز هم باركر وجارفس وهاميرسلى وقد أمتد حكمهم حتى عام 1946 وهو تاريخ تولى المحافظين المصريين لسيناء ومن وسائلهم لعزلة سيناء أن عمدوا إلى وضع الجمارك على حافة الساحل الشرقى لقناة السويس بيد أن الوضع الصحيح يحتم عليهم وضعها على الحدود السياسية للدولة وليس قبل 210 كم وهى المسافة من مدينة القنطرة شرق إلى نهاية حدود مصر السياسية عند رفح .
ولون آخر من الأساليب الإستعمارية مارسته بريطانيا فى سيناء وهو "فرق تسد" مستغلة فى ذلك طبيعة المجتمع القبلى حيث كانت تقسم المدينة إلى عدة أقسام كل قسم يجمع مجموعة من القبائل ولكل قبيلة نزعاتها وإتجاهاتها ثم تقرب البدو بالحضر أو الحضر بالبدو مما يثير القلاقل والنزعات القبلية فى ذات الوقت الذى كان المحافظ الإنجليزى يصدر أوامره لوكيله المصرى بعدم حل أية مشكلة تعرض عليه من أهل سيناء مما يجعل الأهالى يلجأون إلى مقر المحافظ فيحل لهم مشاكلهم مما يعطى إنطباعا بسلاسة الحكم البريطانى وغطرسة الحكم المصرى ولم تكن الناحية الصحية أسعد حالا من مثيلاتها ففى سيناء كلها لم يكن هناك سوى مستشفيين فقط أحدهما بمدينة العريش ومن الناحية الإقتصادية فقد أصرت الإدارة البريطانية لسيناء على عدم مد يد التعمير إلى أى شبر من أرضها الواسعة فى وقت حرمت فيه شبه الجزيرة من نيل توقف سيره عند الساحل الغربى لقناة السويس مع ندرة الأمطار مما زاد من البوار والقحط بين أهلها وحتى بعثات التعدين التى بعث بها البريطانيون إلى جنوب سيناء للتنقيب عما كانت تشتهر به سيناء بالمناجم كالفيروز والنحاس والمنجنيز والبترول أخيرا فكانت كلها أستطلعت أو أكتشفت شيئا أنكرته على مصر تطلعا إلى آمالها المستقبلية فى المنطقة وبالرغم مما تقدم فإن بريطانيا ما كانت تستطيع أن تسلخ سيناء من مصريتها وهناك واقعتين تشيران إلى ذلك :
لجنة هرتزل : فى عام 1902 جاءت لجنة هرتزل تطلب أستئجار الساحل الشمالى لسيناء لإقامة مستوطنات يهودية عليه وبالرغم من أن وزير المستعمرات البريطانى لم يكن يمانع من تلبية طلب اللجنة إلا أن رفض مصر لهذا الطلب جعله ملتزما بالإرادة المصرية صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فى ممتلكاتها بما فى ذلك سيناء فما كان منه إلا أنه رفض طلب اللجنة وقتها .
حادثة طابا : فى 1906 أراد السلطان العثمانى أن يعزل سيناء عن الوطن الأم مصر وكان خط الحدود وقتها يمتد من رفح شمالا إلى العقبة التى تجاور طابا جنوبا فعهدت السلطات التركية إلى قواتها بخلع أعمدة الحدود بين رفح والعقبة تمهيدا لتنفيذ المؤامرة وفى حينها قام أحد أبناء سيناء وهو أسعد عرفات بتبليغ السلطات المصرية التى سارعت بدورها مع لجنة بريطانية بمعاينة الواقعة وعندما تأكد للسلطات البريطانية صحة الواقعة أمرت الأسطول البريطانى بالتحرك فى خليج العقبة لمواجهة المؤامرة وكادت الحرب أن تندلع بين بريطانيا والإمبراطورية العثمانية لولا تسوية الأمور بالطرق السلمية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقا .
وعلى الرغم من موقف بريطانيا هذا وقتها وإعترافها بسيادة مصر على هذا الإقليم إلا أن تصرفها هذا لا يسبغ عليها صفة المهتم بأمورنا خاصة لأن إليها وحدها يرجع الفضل فى زرع الكيان الصهيونى بأرض فلسطين .
بعد ثورة 1952
بعد ثورة يوليو عام 1952 إنتهى حكم أسرة محمد على وفى 1954 تم جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر وأممت القناة 1956 وأنتشرت فى ربوع سيناء المدارس بعد أن كانت بها مدرسة واحدة فى العريش عاصمة سيناء وكذلك أرتفع المسئولون بالمستوى الصحى لأهل سيناء كما دبت فيها بعض المشروعات للتعمير ومن أهمها وأبرزها مشروع توصيل مياه النيل شرق القناة لزراعة 20.000 فدان بسيناء إلا أن المشروع قد عطل فى النكسة أما بعد إنتصار مصر فى حرب 6 أكتوبر ركز على إحياء المشروع مرة آخرى ووضعت فى خطتها إنشاء ثلاثة أنفاق لتوصيل مياه النيل إلى سيناء منهم نفق للعبور البرى سمى بإسم الشهيد أحمد حمدى كما وضعت فى خطتها تشجير سيناء بأشجار مثمرة وأشجار أخشاب إلى جانب الإهتمام بالبحث والتنقيب عن المعادن الكامنة فى باطن أرضها وخاصة البترول فضلا عن مشروعات التعمير ورصف الطرق مما سيجعل من هذه المنطقة جنة الشرق فى المنطقة العربية ولكن للأسف لم يحدث وظلت سيناء كما هى بدون أى إهتمام أو إرادة تعمير وخلق فرص جديدة لأهل سيناء .
إن سيناء لم تنفصل عن مصر قط بل أن المصريين القدماء منهم والمحدثين قد مارسوا عليها السيادة جزءا من أرض مصر ومدخلها الشرقى إيمانا منهم بأن الخطر الذى يهددها إنما يهدد بالآحرى أرض الوادى كما أن أطلال الآثار المصرية القديمة وما تلاها من قلاع العصر الإسلامى فى سيناء ربما لو كانت كلها على الشاطئ الغربى لقناة السويس أو حتى على الشاطئ الشرقى لخليج السويس لقلنا أن المشككين فى مصرية سيناء لهم العذر على إعتبار أن هذه الأطلال كانت بمثابة تحصينات وقائية بناها المصريون ضد الغزاة لكن أن تنتشر هذه الآثار لتغطى شبه الجزيرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بل تجاوزت ذلك إلى مدينة غزة بفلسطين لهو تأكيد قاطع على مصرية سيناء لا يقبل الشك ولا تضليل المضللين .
المصرى فى سيناء
يتميز بدو سيناء بالبساطة فى المعيشة الأمر الذى جعل الكثيرين منهم يتمسكون ببلادهم التى توفر لهم إحتياجاتهم الأساسية كما أنهم لا يحبون الخضوع للعمل المنظم وعرب سيناء هم أكثر القبائل التى حافظت على تقاليد البدو وأرض سيناء واسعة وتبلغ مساحتها 61000 كيلو متر مربع ويبلغ عدد سكانها حوالى 220000 نسمة وهو عدد بسيط بالنسبة لمساحة سيناء وتمثل قبائل البدو المنتشرة فى مناطق سيناء الثلاث الشط وأبو زنيمة والطور ما يزيد عن 70% من مجموع السكان أما النسبة الباقية فتتكون من سكان المدن وقد جرى العرف على تقسيم سكان سيناء إلى بدو وحضر البدو هم سكان الصحارى والحضر هم سكان المدن وقد أثر البدو والحضر فى بعضهم بحكم المعايشة الطويلة وتتمثل حاضرة سيناء فى مدينة العريش ومدينة القنطرة شرق ومدينة الطور وتتمثل بادية سيناء فى القبائل المنتشرة فى شمال ووسط وجنوب سيناء .
قبائل بلاد الطور
العليقات: وتمتد بلادها من الرملة إلى وادى غرندل والمعروف أنها والعليقات الساكنين فى القليوبية وأسوان من أصل واحد وتعدادهم نحو 2500 نفس تقريبا وأهم فروعها أولاد سلمى وإتليلات والحمايدة
مزينة: وتمتد بلادهم من جنوب مدينة الطور على الشواطئ البحرية حول رأس محمد إلى التربيع فى الرملة ويرجع أصلهم إلى بنى حرب وقد إشتهروا بحب السلام والأمانة ويبلغ تعدادهم نحو 4200 نفس وأهم فروعها العلاونة والشراونة والحوايطة وأولاد على
العوارمة: ويسكنون قلب بلاد الطور وتعدادهم نحو 1500 نفس وفروعها العوارمة والفوانسة والرديسهان وأولاد جاهين والنواصره والمحاسنة
أولاد سعيد: وتعدادهم نحو 1000 نفس ويسكنون فى الطور وجهة قليوب بمصر وفروعها أولاد سعيد والزهيرات والعوامرة وأولاد مسلم وأولاد سيف
القرارشة: وتعدادهم نحو 1500 نفس ويقال أنهم من قريش وأنهم دخلوا الجزيرة مع العوارمة وأولاد سعيد ويسكنون قلب الطور ونظرا لرفعة نسبهم نجد شيخهم شيخا للطور كلها وفروعها النصيرات وأولاد تيهى
الجبالية: وتعدادهم نحو 500 نفس وهم يسكنون جبل الطور الذى ينتسبون إليه وهم خليط من الروم والمصريين وكانوا يعتنقون الديانة المسيحية ثم بعد الفتح الإسلامى لمصر أعتنقوا الديانة الإسلامية وعاشوا عيشة البادية إلا أن العرب العريقين لا يتزاوجون معهم وأهم فروعهم الحمايدة والسلايمة والوهيبات
قبائل بلاد التيه
التياها: وتعدادهم نحو 4500 نفس وهى من أقدم قبائل التيه ويقال أن أصلهم من بنى هلال وأشهر مراكزهم "نخل" و"جبل الحلال" وعين القصيحة وعين الويلج ومعظم وادى العريش وأهم فروعها الصقيرات والبنيات والشهيبات والقنيرات والبريكات
الترابين: وتعدادهم نحو 3000 نفس والمشهور عنهم أنهم من نسل الحسن إبن على إبن أبى طالب وقد أشتهرت بالألفة والإتحاد والشجاعة والإقدام وقد جاء فى كتاب "الدرر الفرائد" أن الترابين والوحيدات والحويطات واللحيوات من أصل واحد من بنى عطية ويسكنون تقريبا نواحى الحيورة والبواطى والمقضبة والعمر وروافعة والمغارة والجفجافة وجبل الراحة ولكن معظمهم فى غزة ومنهم طائفة فى الجيزة وأهم فروعهم فى سيناء الجرارة والحسايلة والشهيبات
اللحيوات: وتعدادهم نحو 4500 نفس تقريبا ومن تقاليدهم أنهم من بنى عطية المساعيد المنتسبين إلى مسعود بن هانى وأهم بلادهم مشرقى بلاد التيه وغربيها وأشهر مراكزهم المغارة والجفجافة وسر الحقيب وعين سدر وجبل نفيع وبئر التمد وأهم فروعهم النجمات والحناطلة والكساسبة والسلاميين والقريفاتين والمسطور والكرافمة والحمدات والصفايحة والخواطرة والخلايفة
الحويطات: وتعدادهم نحو 1500 نفس تقريبا ومن يوجد منهم شرقى بلاد التيه من قبائل شتى جاءوها حديثا من مصر والحجاز ومنهم قبيلة كبيرة فى القليوبية وهم الشوايدة وتمتد أشهر مراكزهم من داسة العلوة إتجاه الأسحيلة إلى وادى غرندل شمالا وجنوبا ومن جبل حسن إلى البحر الأحمر شرقا وغربا وأشهر محلاتهم بئر معبوق وبئر المرة فى وادى الراحة وعين سدر فى وادى سدر
قبائل بلاد العريش
السواركة: وهى أكبر قبائل سيناء عددا ويبلغ تعدادها مع الرميلات نحو 12000 نفس وأهم فروعهم العرات والدهيمات والجريرات والحافيظ والقلاقلة والخناصرة ويسكن السواركة القسم الشرقى من بلاد العريش وبئر العبد
الرميلات: وكانوا يسكنون قديما فى جنوب غربى فلسطين بخان يونس ثم إرتحلوا إلى العريش بسبب حروب بينهم وبين الترابين وأنضموا إلى السواركة بالأخوة وصاروا معهم قبيلة واحدة ويسكنون بلاد العريش ورفح وأهم فروعهم البسون والشرطين والعوايدة والسند والعجلين
العبايده: وتمتد بلادهم من ضواحى القنطرة إلى تل حيوة وإلى أم الغيبان وإلى الشيخ حميد بجبل الريشة ويحدهم من الشمال المساعيد ومن الجنوب الصفايحة واللحيوات ومن الشرق يلى ومن الغرب ترعة السويس
الأخارسة: وتمتد بلادهم على شاطئ البحر الأبيض المتوسط من روافد الحسنة شمال بركة الجمل إلى قلعة مفرج المعروفة بقلعة البلاج على نحو ساعتين من قلعة الطينة غربا وأهم مراكزهم "القلس"
الدواغرة: وهم من عرب مطير ويسكنون الرقبة وقد كانوا قديما يعيشون مع جيرانهم البدو بجعل معلوم ولكنهم صاروا أحرارا تحميهم الحكومة
المساعيد: وهم فرع من اللحيوات وهم أقوى قبائل العريش بعد السواركة
السعديين: وهم مجاورون للبياخين والسماعنة
العقايلة: ويلى البررة وأولاد على
القطاوية: وهم سكان واحة قطية
البياخين والسماعنة
ملحقات قبائل سيناء
العبيد السود: كان من عادة العرب قبل تحريم العبيد إقتناء العبيد السود لمساعدتهم فى رعى الجمال وحرث الأرض فتناسلوا بينهم ومازال عدد كبير منهم فى صحراء سيناء وهم راضون بعيشتهم ولكن البدو غير راضين عن منع العبيد والعرب لا يتزاوجون مع السود وإذا تزوج عربى جارية سوداء أعتبر نسله عبيدا وعوملوا معاملة العبيد
قبيلة الهيتم : وتسكن صحراء سيناء وغيرها قبائل شتى لا طاقة لها على حفظ كيانها فتعيش فى حمى القبائل القوية على جعل معلوم ويعرفون فى البادية بإسم هيثم وهم كالعبيد تماما لا يتزاوجون معهم وإذا تزوج أحدهم إمرأه هيثمية عدوا أولاده هيثميين وإن غنمت قبيلة آخرى فى الحرب وكان فى غنيمتها مال لإحدى قبائل هيثم ردوه إليها بلا تردد ومن أشهر فروعهم المرابطين فى البادية
الشرارات: ويسكن أكثرها فى بلاد نجد
مطير: ومنهم الدواغرة سكان الرقبة من بلاد العريش
العرينات: ويسكنون جبل الحلال مع التياها ومنهم جماعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط يصيدون السمك
الملالحة: ويسكنون العجرة مع الترابين والسواركة وهم أقل قبائل هيثم شأنا
الصليب: ويسكنون غالبا برية الشام ويأتون أحيانا إلى سيناء ويقال أنهم من بقايا الصليبيين بدليل تسميتهم وبياض لونهم وزرقة عيونهم
السياحة فى سيناء
تعد سيناء مركزا عالميا للسياحة حيث تتوافر فيها كل أنواع السياحات فهناك السياحة الدينية وهى تكتسب إهتماما خاصا عند أصحاب الديانات الثلاثة فهناك الآثار الإسلامية فى العريش وجبل الطور والآثار المسيحية المتمثلة فى دير سانت كاترين والمناطق والممرات التى مر بها النبى موسى والنبى عيسى عليهم السلام وهناك السياحة الترفيهية على الشواطئ حيث تعتبر شواطئ سيناء من أروع شواطئ العالم وهناك السياحة العلاجية حيث منطقة حمام فرعون الذى يعتبر أقدم حمام من نوعه فى العالم أستخدمه الفراعنة عشرات القرون فى علاج الكثير من الأمراض .
السياحة الدينية
دير سانت كاترين
أكثر الرموز قدسية فى سيناء جبلها "طور سنين" الذى جاء ذكره فى القرآن وعلى إحدى قمتى هذا الجبل كلم الله النبى موسى مرتين وعلى القمة الآخرى هبطت الملائكة برفق بالغ وهى تحمل جسد القديسة كاترين عذراء الإسكندرية التى فصل الإمبراطور رأسها لأنها إستطاعت أن تفحم 50 من حكمائه وتقنعهم بإعتناق الديانة المسيحية وقد أطلق إسم القديسة كاترين فى القرون الوسطى على الدير الشهير بسيناء ويقع هذا الدير فى سفح قمة من قمم جبل طور سيناء على أحد فروع وادى الشيخ ويرتفع عن سطح البحر نحو 501 قدما وقد تم بناؤه فى عام 52 ميلادية وللدير سور ضخم طوله 85 متر وعرضه 75 متر ومتوسط إرتفاعه 11 متر وسمك الحائط 2.25 من المتر وقد بنيت داخل السور عدة كنائس صغيرة وقد حدثت فيه ترميمات كثيرة على مدى العصور وفى السور الشرقى مصعد يدوى كان يستخدم فيما مضى لرفع الناس والزاد دون حاجة إلى فتح الباب .
الكنيسة الكبرى
وهى من أقدم الآثار فى صحراء سيناء وهى إحدى كنائس العالم الهامة لا بسبب تحفها وإنما لما حوته جدرانها من فسيفساء قديمة كما أنها إحدى الكنائس القليلة التى يعرف تماما أن بناءها الحالى يرجع إلى عهد الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى وتقع الكنيسة شمال شرق الدير وهى مبنية من حجر الجرانيت طولها 38.40 متر وعرضها 19.30 متر ومتوسط الإرتفاع خمسة أمتار مبلطة بالرخام ومزينة بالأيقونات القديمة التى تغطى الحوائط وأقدمها أيقونة العذراء وهى أثمن ما بالدير وأيقونة موسى النبى وهو يتلقى الوصايا العشر على قمة الجبل وأيقونة القديسة كاترين وأمام الكنيسة الكبرى على مسافة عشرة أمتار مسجد صغير بنى باللبن وحجر الجرانيت أيام الفاطميين عام 500 هجرية 1106 ميلادية والمسجد مكون من حجرة واحدة مساحتها 7 x 10 متر ويحمل سقفه عمودان ومئذنة بسيطة مربعة الشكل طرفها مدبب يرتفع نحو عشرة أمتار وبالمسجد قطعتان أثريتان هامتان أحدهما كرسى يوضع عليه المصحف الشريف والآخرى المنبر الذى يعتبر من الآثار الباقية من هذا العصر ومحفور على المنبر "لا إله إلا الله لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيئ قدير" والمسجد مفتوح للصلاة وويؤمه كل من يريد من المسلمين الذين يزورون الدير ورجال قبيلة الجباليا الذين أرسلهم جستنيان لحراسة الدير ومساعدة رهبانه وزراعة حدائقه وما زالوا يقومون بنفس الواجب بعد أن إعتنقوا الدين الإسلامى .
وتقع فى الدور الثالث من بناء قديم جنوبى الكنيسة الكبرى المكتبة وهى مكونة من ثلاث غرف فى صف واحد وكانت الحجرة الوسطى من قبل مجلسا للرهبان وهذه المكتبة من أسباب شهرة الدير لحفظها بالمحفوظات والكتب النادرة وتضم المكتبة 2319 من المحفوظات اليونانية و284 من المحفوظات اللاتينية و86 من المحفوظات الجورجانية و600 من المحفوظات العربية وبعض المحفوظات السوريانية والقبطية والأثيوبية والسلافية والأمهرية والأرمنية والإنجليزية والفرنسية والبولندية وتبلغ المحفوظات حوالى 6000 مجلد منها الدينية والتاريخية والأدبية والجغرافية والفلسطينية وبالرغم من أن الدير تأسس فى القرن السادس فإن بعض محفوظاته يرجع إلى القرن الرابع الميلادى وأشهر كتاب هو "سيناء والمقدس" ( كووكس سينا ) الذى كتبه إسبيوس أسقف قيصرية سنة 3301 ميلادى وهناك أيضا عدد كبير من الفرمانات التى أعطاها الخلفاء والولاة لرهبان الدير وقد ظلت المكتبة تحتفظ بعهد الرسول (ص) إلى رهبان الدير بعد أن غزا مصر السلطان سليم الأول العثمانى فنقله إلى الأستانة فى نهاية عام 1517 ميلادى وعوض الرهبان بصورة خطية طبق الأصل من هذا العهد النبوى الكريم ويقول الرهبان أن النبى محمد (ص) كتب لهم هذا العهد فى السنة الثانية للهجرة أمانا لهم وللمسحيين كافة على أرواحهم وأموالهم وتجارتهم .
وبداخل الدير معصرة للزيتون ومخازن للمئونة وطاحونتان ومنازل الرهبان وبداخله ست آبار وأربعة ينابيع وحديقة الدير وقد إعتاد الرهبان ترك جثث موتاهم تدفن فى المدافن ثم يأخذون عظامهم ويضعونها فى معرض خاص قرب المدفن يسمى كنيسة الموتى ويصل الزائر إلى الدير بعد أن يقطع 300 كيلو متر قادما من السويس مارا بعيون موسى ورأس سدر وأبو رنيمة والمغارة وأبو رديس حيث يتفرع الطريق إلى وادى المكتب الذى وجدت على شاطئه الجنوبى أقدم أبجديات التاريخ ووادى فيران الذى يعتبر أشهر وديان شبه جزيرة سيناء بعد وادى العريش ثم إلى وادى الشيخ ثم إلى الدير .
جبل موسى: يبلغ إرتفاعه 7363 قدما عن سطح البحر وقد بنى على رأسه كنيسة صغيرة لرهبان دير سيناء وجامع صغير عبارة عن كوخ من الأحجار الغشيمة
عيون موسى: توجد على بعد 20 كم شرق السويس بأرض سيناء وهى التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم "إذ قلنا إضرب بعصاك الحجر فأنفجرت منه أثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم" والكلام موجه من الله عز وجل إلى النبى موسى عليه السلام حين طلب منه اليهود الذين آمنوا برسالته ماء ليرتوا به وتشرب دوابهم
السياحة التاريخية
كما تتميز سيناء بخاصية لا توجد فى غيرها وهى وجود الطرق التاريخية التى يعود تاريخ بعضها إلى نحو آلاف السنين والتى مازالت آثارها موجودة وسط الرمال الواسعة ومن المعروف أن المغنطيسات التى تجذب السائح تتمثل فى تفضيل زيارة المناطق التى تتميز بالمعالم الواضحة وقد أثبتت الدراسات أن هناك أكثر من 80% من السياح يفضلون زيارة الأماكن التاريخية ويعتبر التاريخ مادة جذب بالنسبة لهم وكلما كان التاريخ موغلا فى القدم كلما زادت قدرته على إجتذاب عدد من الزوار وسيناء تضم أعرق وأروع طرق تاريخية فى العالم ففى سيناء الطريق الحربى العظيم الذى إستخدمه القدماء الفراعنة قبل تحتمس الثالث كما إستخدمته العائلة المقدسة فى رحلتها إلى مصر وفى سيناء أيضا طريق الخروج الذى سلكه النبى موسى واليهود الذين خرج بهم إلى الوادى وأيضا طريق المحمل القديم الذى كان يجتازه الحجاج قديما .
الطريق الحربى القديم
فهذا الطريق هو الذى سلكه تحتمس الثالث فى الفترة من 1479 إلى 1476 قبل الميلاد لكى يؤدب مع جيوشه الذين هاجموا حدود مصر الشرقية وقد سجلت جميع تفاصيل هذه الحملة يوما بيوم على جدران معبد آمون فى الكرنك وهذا الطريق هو الذى سلكه الإسكندر الأكبر عند غزو مصر عام 333 قبل الميلاد وعلى مشارف هذا الطريق عند بلدة الفرما التى تقع مكان بيلوز عند نهاية الفرع البيلوزى أحد فروع نهر النيل القديمة وعلى بعد بضعة كيلو مترات شرق بورسعيد ألتقت جيوش كليوباترا مع جيوش أخيها بطليموس تأهبا للقتال عام 48 قبل الميلاد وعبر هذا الطريق قدم إلى مصر المسيح والسيدة مريم ويوسف النجار من رفح إلى الفرما ويبدو أنها توقفت فى العريش وأنها سلكت طريق الشاطئ شمال بحيرة البردويل وقد أقيمت فيما بعد بكل مكان توقفت فيه العائلة المقدسة كنيسة .
وهذا هو الطريق نفسه الذى سلكته جيوش العرب المسلمين بقيادة عمرو إبن العاص عند فتح مصر فقد سلمت قلعة الفرما فى 2 يناير عام 640 بعد حصار دام شهرا ولما أرادت مصر تحقيق وحدة الشرق العربى إتخذت الجيوش المصرية 1831 ـ 1833 نفس الطريق القنطرة ثم قطيعة بير مزار ثم العريش ثم الشيخ زويد ثم رفح وإذا كانت سيناء لها فى التاريخ القديم الطريق الحربى وفى التاريخ اليهودى طريق الخروج وفى التاريخ المسيحى الطريق الذى سلكته العائلة المقدسة عند قدومها إلى مصر فإن لها فى التاريخ الإسلامى طريقا رائعا وهو طريق المحمل ويبدأ هذا الطريق فى سيناء من العجرود غرب السويس إلى النواطير فى مدخل صحراء التيه إلى بئر القريص إلى نقب دبة البغلة إلى نخل إلى وادى القريص إلى العقبة ثم باقى الرحلة عبر الأراضى الحجازية وقد أستخدم هذا الطريق للحج منذ سافرت شجرة الدر عام 1248 مع قافلة الحجاج إلى مكة المكرمة عن طريق سيناء وقد أهتم السلطان قنصوة الغورى 1501 ـ 1516 بتمهيد ذلك الطريق وسجل ذلك على أحد الآثار الموجودة فى نقب دبة البغلة .
ومن الآثار الباقية من العصر المملوكى فى طريق الحج هى بلا شك فى بلدة نخل فالقلعة التى بناها السلطان قنصوة الغورى عام 1516 على مشرف المدينة كانت تعرف قديما بالخان وهى قائمة على هضبة على نحو 140 كم من السويس و120 كم من العقبة والقلعة مربعة الجوانب ولها خمسة أبراج وبنيت بالحجر المنحوت وإلى الشمال الشرقى للقلعة قبر الحجاج وفى مدينة نخل آثار قديمة إحداها داخل القلعة وقد حفرها بانى القلعة .
قلعة العريش : وهى عبارة عن سور مريح إرتفاعه ثمانية أمتار وطوله 75 متر وفى كل ركن من أركانه الأربع برج وعلى كل منها مدفع وتقوم القلعة على تل مرتفع على الطريق الملكى الموصل من الشام إلى الغرب ومن بين ما عثر عليه فى القلعة حوش آثرى من الجرانيت الأحمر له قاعدة هرمية الشكل طوله متر وعرضه 80 سم وإرتفاعه 60 سم نقشت على جدرانه كتابات هيروغليفية موضوعها *الإله شو
السياحة العلاجية
حمام فرعون: وهو عبارة عن نبع كبريتى شمال أبو زنيمة بحوالى 22 كم بالجزء الجنوبى من سيناء وينبع من سطح جبل حمام فرعون ودرجة حرارة مياهه عالية وتنحدر مياه النبع إلى البحر مباشرة ويستخدم أهالى سيناء تجمع هذه المياه فى المغارة أسفل الجبل للإستشفاء من الأمراض وتفوق هذه المياه فى أهميتها تلك العيون المعدنية الموجودة فى حلوان
السياحة الطبيعية والصحراوية
تتميز جبال سيناء باللون الأصفر وتفصل جبال بلاد العريش بين الوادى ومنطقة بلاد التيه وأهمها جبل المغارة وهو على مسافة 50 كيلو متر من العريش و100 كيلو متر من نخل وقد عثر فيها على الآثار الرومانية التى تثبت أن تلك المنطقة كانت آهلة بالسكان وفى منطقة الطور مجموعة من الجبال هى التى تعطى للمنطقة روعتها وجمالها فجبل طور سيناء يقع على نحو 60 كيلو متر إلى الشمال الشرقى من مدينة الطور ويتكون من سلسلة قمم عالية أما جبال السربال فهو واقع إلى الشمال من مدينة الطور إلى الغرب من جبل موسى على نحو 50 كم وله خمسة قمم على شكل تاج عظيم فى نصف دائرة أعلاها نحو 6730 قدما وكان الناس يحجون إليه قديما وفى سطحه دير قديم وكنيسة مبنية بالحجر المنحوت وعلى شاطئ خليج السويس يقع جبل حمام فرعون وجبل المغارة يقع على نحو 25 كيلو متر من ميناء أبو رديس وجبل صهد بين جبل المغارة وسرابيط الخادم وهذه الجبال الثلاثة هى جبال الفيروز الشهيرة .
السياحة الترفيهية
تعتبر سيناء من أحسن أجزاء مصر للسياحة فإن الطبيعة لم تبخل عليها بالمزيد من الجمال لحد الإسراف فهى كما هو معروف عنها شبه جزيرة تحيط بها المياه من كل جانب بإستثناء الحدود الشمالية الشرقية المتاخمة لفلسطين فالبحر الأبيض المتوسط يحدها شمالا بساحل يبلغ طوله 220 كم كما يحدها من ناحية الغرب والجنوب الغربى قناة السويس وخليج السويس بساحل يبلغ طوله 400 كم كما يحدها من ناحية الشرق والجنوب الشرقى خليج العقبة بساحل يبلغ طوله 150 كم أى أن مجموع سواحلها يزيد على 750 كم وهذه السواحل الطويلة الجميلة لم تعرف طريقها إلى العمار بالمصايف العديدة إلا مصيف العريش وهو مصيف بدائى أقامه الأهالى بالجهود الذاتية حيث المياه الزرقاء التى تراها على إمتداد البصر مختلطة بزرقة السماء حتى لا تكاد تميز بين لونها ولون السماء وكذلك الرمال البيضاء الناعمة التى يتكون منها شاطئ العريش .
كما أن غابة النخل الممتدة على الشاطئ العريش لمسافة 30 كيلو متر حيث تداعب أمواج البحر دائما العديد من جذورها دون أن تفقدها ثمارها الشهية ووسط هذه الغابات بمخاذاة الساحل كبائن بناها أهل المدينة وقد سميت سيناء بأرض القمر لأن القمر فيها يعكس أشعته الفضية على رمالها البيضاء الذهبية يبدو أكثر جمالا وأروع سحرا وهناك شواطئ كثيرة غير شاطئ العريش فهناك شاطئ رفح والخروبة بين العريش ورفح وبحيرة البردويل وإذا إنتقلنا إلى الجزء الجنوبى بسيناء لوجدنا الشواطئ الجميلة والممتدة على طول خليج السويس والعقبة وقد قال أحد المستشرفين فى سيناء "إن يوما خارج سيناء هو يوم ضائع من عمرى" .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سرابيط الخادم: هو أهم مناطق مناجم الفيروز فى سيناء وهى منطقة جبلية وعرة بها مناجم للنحاس وقد بدأ إستغلال القدماء المصريين لمناجمها منذ أيام الأسرة 12 أو قبل ذلك وأقاموا هناك معبدا أخذ الملوك يضيفون إليه حجرات وإبهاء من حين لآخر أثناء الدولة الحديثة وما تلاها
المغارة: ويسميها البعض خطأ وادى المغارة أو جبل المغارة وهى أقدم مناطق المناجم فى سيناء للحصول على الفيروز والنحاس وكانت فيها أقدم النقوش التاريخية التى سجل عليها المصريون القدماء إستغلالهم للمنطقة وردعهم للبدو الذين كانوا يغيرون على القوافل أو على العمال وأستمر إستغلال هذه المناجم فى عهد الأسرة 12 والدولة الحديثة ثم تركز إستخراج الفيروز والنحاس فى منطقة سرابيط الخادم
الفرما: وتسمى أحيانا تل الفرما وهو الإسم العربى للبلدة التى عرفت قديما بإسم بلوزيوم وكانت أهم الحصون للدفاع عن الدلتا من ناحية الشرق وسجل التاريخ أسمها كموقع حدثت فيه مواقع حربية هامة من أهمها المعركة التى حدثت بين جيش المسلمين تحت قيادة عمرو إبن العاص وجيش الرومان الذى كان يقيم فى حصونها
فلندرز بترى: ولد ببلدة شارلتون بإنجلترا فى 3 يونية 1853 وتوفى فى 28 يولية 1942 أغرم بدراسة آثار مصر منذ صغره ومنذ عام 1880 بدأ يحفر فى مختلف المناطق فى وادى النيل وله الفضل الأكبر فى وضع الأسس الصحيحة لعمل الحفائر المنظمة وتسجيل كل ما يظهر فيها من آثار صغيرة الحجم والإسراع بنشر النتائج العلمية للحفائر فى نهاية كل موسم لتكون فى متناول الجميع
فلندرز بترى: ولد ببلدة شارلتون بإنجلترا فى 3 يونية 1853 وتوفى فى 28 يولية 1942 أغرم بدراسة آثار مصر منذ صغره ومنذ عام 1880 بدأ يحفر فى مختلف المناطق فى وادى النيل وله الفضل الأكبر فى وضع الأسس الصحيحة لعمل الحفائر المنظمة وتسجيل كل ما يظهر فيها من آثار صغيرة الحجم والإسراع بنشر النتائج العلمية للحفائر فى نهاية كل موسم لتكون فى متناول الجميع
الإله شو: واحد من الآلهة الكونية فى الحضارة الفرعونية وهو كان إله للهواء وهو الذى رفع السماء عن الأرض
مواضيع ذات صله:
- سلسلة النكبة
- حرب اكتوبر
- وثائقى محمد على باشا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق