هل هو المؤسس لنظام ثورى خرافى أم سياسى جبار
كان والده من رجال الجيل القديم نشأ متأثرا بتعاليم كونفشيوس من أحترام السلف وتبجيل الإمبراطور وفى فترة شباب ماوتسى تونج تأثر كثيرا بحادث وقع فى العاصمة شانج شا وهو الثورة التى قام بها آلاف من الشباب الجياع وسرعان ما نبذ ماوتسى تونج تقاليد الآباء وأحترام كونفشيوس كان ذلك هو العصر الذى صارت فيه روح التمرد فى صفوف الشعب وكان الثوريون يتآمرون ضد الأسرة الحاكمة وفى 10 أكتوبر 1911 أعلنوا قيام الجمهورية وأختاروا لها رئيسا مؤقتا فى 29 ديسمبر 1911 وهو الدكتور صن يات ـ سن الذى عاد من منفاه الإختيارى فى الولايات المتحدة الأمريكية وتمكن مستشار الإمبراطور يوان شى ـ كاى من الحصول على إستقالة آخر أفراد أسرة مانشو ووقتها تمكن يوان شى ـ كاى من إعلان نفسه رئيسا للجمهورية .
وكان لهذه الأحداث أثر بالغ على الشاب ماوتسى تونج الذى إلتحق بمدرسة المعلمين فى شانج شا عام 1912 بهدف أن يصبح مدرسا وقد ظل بهذه المدرسة إلى أن حصل منها على الدبلوم عام 1918 وقد تأثر الطالب الشاب بأستاذه فى الفلسفة الدكتور يانج شانج ـ شى الذى لقنه الثقافة الغربية كان شانج ـ شى من خريجى جامعة إدنبر وفتح أمام تلميذه آفاقا جديدة تماما فى حين تمكنت إبنته من غزو قلب الشاب فتزوجها فيما بعد وفى ذلك العصر كان ماوتسى تونج إشتراكيا ذا ميول خيالية يعجب بمبدأ الديموقراطية الغربية دون أن تكون لديه معرفة عميقة بها وفى نهاية دراسته بمدرسة المعلمين وقبل أن ينتقل إلى جامعة بكين كون ماو مجموعة دراسية صغيرة مع أصدقائه بدأت تدرس الإشتراكية .
كانت الثورة الروسية فى أوج تأججها وقد هزت العالم كله بما فيه الصين وكان ماو يتابع فى حماس تطور الأحداث ويتشبع بأفكار أكتوبر 1917 ثم كانت معاهدة فرساى مخيبة لآمال الصين بموافقتها على مطالب اليابان فى حين أن الصين كانت قد أعلنت الحرب على ألمانيا وهنا شعر ماو بالإستياء من الديموقراطية التحررية وبدأ يشارك لينين أفكاره بأن الدول الغربية كلها "ما هى إلا نفاية الإمبريالية" .
الحزب الشيوعى الصينى والكومينتانج
بعد خلع الأسرة الإمبراطورية ظلت رحى الحرب الأهلية دائرة وأستقر بعض رؤساء العصابات الذين أطلقوا على أنفسهم أسم رؤساء الجيش فى مختلف المقاطعات وأحالوها إلى إقطاعيات فأحتل المارشال تشانج ـ سو ـ لن منشوريا التى حكمها فيما بعد إبنه تشانج شو ـ ليانج أما الجنرال ما فقد أستقر فى المناطق الإسلامية وأحتل الجنرال المسيحى فنج منطقة وسط الصين وأخذت القوات الثورية للحزب الوطنى ( الكونينتانج ) تعمل ضدهم فى حين تأسس الحزب الشيوعى الصينى وعقد أول مؤتمر له فى شنغهاى فى يوليو 1921 وقد مثل ماوتسى مقاطعته فى هذا المؤتمر وبذلك صار من بين مؤسسى الحزب .
وفى عام 1923 عقد الإتحاد السوفييتى معاهدة تحالف مع الكومينتانج وبدأ التعاون بين الحزب الشيوعى والحزب الوطنى ولكن شانج كاى ـ شيك الذى خلف صن يات ـ سن بدأ يشعر بالقلق من التقدم الذى حققه الحزب الشيوعى فعمل على شل حركته بإنقلاب قام به فى مارس 1926 وبتأثير من المستشارين السوفييت رضخ الحزب الشيوعى الصينى للأمر الواقع ولكنه أخذ يعد لحركة مضادة قام بها فى كانتون عام 1927 غير أن شانج كاى ـ شيك أخمدها بوحشية وطرد البعثة العسكرية السوفييتية وأخذ يتعامل مع الدول الغربية بعد أن سعى لمقاطعتها من قبل .
المسيرة الطويلة
لم يكن ماوتسى تونج موافقا على سياسة المسالمة التى كان يفرضها عليه الحزب الشيوعى السوفييتى كما كانت هناك نقطة خلاف آخرى ذات طابع نظرى فهو لم يكن يوافق على نظرية لينين وماركس بالطبع التى تجعل من الطبقة العاملة العنصر المحرك للثورة وكانت حجته فى ذلك أن الصين لم تكن بها طبقة عاملة فيما عدا بعض المدن الكبرى القليلة وكان ماو شديد التأثر بثورات الفلاحين وبوسائلهم وبطرق تنظيماتهم وبعكس النظرية السوفييتية كان ماو من أنصار فكرة أن طبقة الفلاحين فى الصين هى التى يمكنها أن تقود الثورة إلى النجاح ومن هنا نشأت عدة أزمات فى داخل الحزب الشيوعى الصينى الذى كان فى بداية الأمر يناصر ستالين ضد ماو وكانت النتيجة أن أعتبر الحزب الشيوعى الصينى خارجا على القانون وأخذت قوات الكومينتانج تطارد أعضاءه دون شفقة .
كان ماو يتزعم مجموعة مسلحة صغيرة وبعد أن واجه معها عدة هزائم لجأ إلى قطاع جبال شنكانشان المنيعة الواقعة بالقرب من الحدود بين هونان ونهر الكيانجسى وهناك شكل الشيوعيون أول حكومة لهم ولكن إعتبارا من عام 1930 أخذ شانج كاى ـ شيك يطاردهم وكان ذلك بداية مرحلة من أشهر مراحل تاريخ الصين المعاصرة مرحلة المسيرة الطويلة كان الفريق الشيوعى يتكون من بضعة آلاف من المحاربين بنسائهم وأطفالهم وقد قطعوا مسافة 12.000 كم فقدوا خلالها 80% من ذويهم ألى أن وصلوا بعد مسيرة 368 يوما إلى مقاطعة شنشى لم يكن ماو سوى واحد من الزعماء الشيوعيين وقد قضى وقتا ليس بالقصير قبل أن يتمكن من فرض زعامته بعد العديد من الصراعات الداخلية .
- الحرب ضد اليابان
غزا اليابانيون منشوريا عام 1931 وأخذوا يتأهبون للغزو البطئ للصين وإن أضطروا للإقتصار على إحتلال الموانئ وجزء من المدن الكبرى وقد رفض شانج كاى ـ شيك الإستسلام وبدأ بعض الوطنيين يدركون أن الوقت قد حان لإيقاف صراعهم ضد الشيوعيين وفى عام 1937 وقع شانج كاى ـ شيك أسيرا فى يد تشانج هسو ـ ليانج الذى أخلى منشوريا ولم يستعد حريته إلا بعد أن وعد بالتعاون مع الشيوعيين ضد اليابانيين وبضغط من موسكو قرر الشيوعيون الصينيون حل حزبهم والأندماج فى الكومينتانج وكانت النتيجة أن الحزب الشيوعى الصينى أنقسم إلى قسمين وأصبح منذ ذلك الوقت تحت زعامة ماو وهنا أصبحت الصين مقسمة إلى ثلاث قوى الصين الوطنية بزعامة شانج كاى ـ شيك ومقره فى تشونج كنج والصين الشيوعية بزعامة ماو ومقره يينان ثم وانج شنج ـ واى الرئيس المتعاون وتحت الحماية اليابانية وكان نظام جمهورية ماو النموذجية يقضى بتخفيض الضرائب وإدخال الإصلاح الزراعى وإقامة عدالة شعبية تعمل على التصفية الفورية للملاك العقاريين فى حين يحرص الجيش الشعبى على ألا يعيش عالة على البلاد .
- النصر النهائى
كان ماو يقاتل اليابانيين وأعجب به الجنرال الأمريكى ستيلويل الذى كان يمثل الولايات المتحدة لدى حكومة شانج كاى ـ شيك ولم يقتصر شهرة ماو على الصين بل تعدتها إلى الخارج وبصفة خاصة فى الولايات المتحدة حيث كانوا ينظرون إليه نظرتهم إلى مصلح زراعى لا يمت للشيوعية بصلة غير الأسم وبعد أستسلام اليابانيون وصل إلى الصين الجنرال مارشال مبعوثا من الولايات المتحدة فى مهمة خاصة وهى فرض إتحاد وطنى بين شانج كاى ـ شيك وماوتسى تونج غير أن كلا من الرجلين لم يكن مخلصا فى قبول هذا الإتحاد وأستمرت الحرب الأهلية كان ماو قد حصل على كميات كبيرة من السلاح وأحرز الإنتصار تلو الإنتصار بسبب حسن تنظيم قواته وعلو روحها المعنوية فى حين كان خصومهم يبيعون المدن والمقاطعات بدلا من أن يقاتلوا دفاعا عنها وفى فبراير 1949 دخلت القوات الشيوعية بكين فى حين أخذ أعضاء الكومينتانج يفرون قاصدين جزيرة فرموزا وهناك أسس شانج كاى ـ شيك الصين الوطنية أما فى داخل القارة فقد أعلن عن قيام جمهورية الصين الشعبية فى شهر أكتوبر وأصبح ماو مسيطرا على الصين ومعه الحزب الشيوعى وهنا كان أمام الأمريكيين وقت طويل ليتدبروا فيه خطأ تقديراتهم إلى أن جاء اليوم الذى ألتقى فيه الرئيس نيكسون بالزعيم ماوتسى تونج فى بكين عام 1972 .
- الصين الجديدة
كان أول خطاب لماوتسى تونج يؤكد على أن الصين ستبدأ منذ ذلك الوقت فى أستغلال ثرواتها الطبيعية بمعرفتها وأنها ستبنى بنفسها قاطراتها وسياراتها وطائراتها وصناعاتها الثقيلة وعددها الآلية ذلك لأنها تملك القوتين العظيمتين وهما المبادئ الإشتراكية والشعب الصينى وسرعان ما خضعت البلاد لتنظيم صارم ودقيق كان له ممثلوه فى كل مكان وهو تنظيم لا يسمح بأى تقاعس ويفرض الطاعة العمياء وفى يونيه 1950 كان قانون الإصلاح الزراعى بداية لعهد جديد وأجريت محاكمات جماعية قضت على الملاك العقاريين وعلى كل تفكير فى المقاومة كما ألغى حق الإضراب ودعى العمال للعمل ساعات إضافية وبلغ النشاط الزراعى حدا وصل إلى حرث الأراضى التى أقيمت عليها مقابر السلف وبذلك لم يعد لكونفشيوس سلطان على أحد .
- المائة زهرة والوثبة الكبرى إلى الأمام
لقد تمادى الحزب لدرجة أقتضت العودة إلى الوراء فى محاولة للتخفيف من حدة أثر ذلك كان التذمر بتزايد وكانت ثورة المجر فى عام 1956 باعثا لماو على التفكير وفى 27 فبراير 1957 أتهم العناصر المتطرفة فى الحزب بأنها تجاوزت حدودها وطالب الشعب بأن يعلن إنتقاداته للحزب إذ أن "مائة زهرة يمكن أن تنمو فى نفس الدبال الذى تنمو فيه زهرة واحدة" وسرعان ما أنهالت الإتهامات لدرجة أن ماو شعر بالقلق من النتائج وبعد ستة أشهر قرر أن ينتزع "الأعشاب الضارة" وكذلك الأعشاب التى تنمو فى الدبال الشيوعى ومعها المتسرعين الذين بادروا بإعلان آرائهم وفى عام 1958 عبأ ماو الصين بأكملها من أجل "الوثبة الكبرى إلى الأمام" وكان المقصود بذلك أن يصنع جميع أفراد الشعب الصينى بأيديهم كميات من المنتجات الصناعية التى تنتج فى كل مكان آخر بوساطة الآلات وقد أقيمت لهذا الغرض أفران عالية صغيرة فى كل مكان ولكن النتيجة كانت محزنة إذ قلت المنتجات الغذائية بسبب إهمال الزراعة بينما غمرت الصين بأكملها بتلال من خبث معدنى لا فائدة منه .
- الكومونات الشعبية
قام الحزب الشيوعى الصينى بتنظيم الصين إلى كومونات شعبية بدأ ظهورها عام 1950 ولكنها لم تخط كبرى خطواتها إلا فى أثناء "الوثبة الكبرى إلى الأمام" كان الفلاحون الذين تجمعوا فى البداية فى 750.000 مزرعة جماعية قد أعيد توزيعهم على 26.000 كومون شعبى وفرضت فكرة نشره فى أحياء المدن كانت تلك هى الحياة الجماعية المثلى وكان العمال يتوجهون إلى الحقول تحت قيادة رجال الشرطة فى حين كانت جموع الشعب تهتم بشئون الأفراد الذين لا يؤدون نشاطا مثل العجائز والأطفال فى المستشفيات ومدارس ومطاعم الكومونات ويبدو أن ماو قد تصرف من واقع سلطاته الخاصة وكان رجال السلطة يشعرون بالبلبلة إزاء النتائج المأسوية للوثبة الكبرى إلى الأمام وأمام التذمر العام الذى أثارته الكومونات الشعبية وقد زاد على ذلك أن المجاعة عمت البلاد كلها فى خريف 1958 .
- الثورة الثقافية
فى ديسمبر 1958 قام الحزب الشيوعى الصينى سرا وبتوجيه من ليوشاو ـ شى وسكرتير عام الحزب تينج هساو ـ بنج بعزل ماو وكلفوه دراسة المشاكل النظرية فأعتزل ماو فى ووهان وأخذ يعد العدة للإنتقام وقد نفذ عزمه فى أغسطس 1966 مع أفراد الحرس الأحمر الشبان الذين أشعلوا نيران الثورة الثقافية وقد هوجم كبار الحزب وتم التغلب على أعضائه وحلت التنظيمات النقابية ولاقت تنظيمات الشباب الشيوعى نفس المصير وتم قمع كل الذين يمثلون التقاليد القديمة والجديدة على السواء وقد تسببت هذه الحركة فى تدمير الأعمال الفنية وطأصبحت الصين كلها تغلى وتدهورت الحال فى كل مكان فى حين كان العسكريون من رجال الجيش الشعبى يراقبون أعمال التطرف وأخذ شواين ـ لاى يحاول إنقاذ أطلال حكومته وكان كل فرد صينى يقوم بنقد الموظفين والهيئات فضلا عن النقد الذاتى ووضعت الملصقات الجدرانية تحت تصرف السكان ليعبروا علنا عن أفكارهم ولمعارضة ما هو مكتوب فلقد أنتصر ماو مرة آخرى ولم يعد للحزب الشيوعى الذى أضطره للإعتزال وجود وبدأ فى تكوين حزب شيوعى جديد بعد التخلص من كل العناصر المعارضة لماو فى حين تولى العسكريون فى عام 1969 إدارة معظم اللجان الإقليمية وأصبح المارشال لن بياو وزير الدفاع هو الخليفة المقرر لماوتسى تونج وقد أخذ يوزع فى كافة أرجاء البلاد الملايين من نسخ "الكتاب الأحمر الصغير" الذى يضم عبارات وأقوال ماو ويشاهد لن بياو فى كل مكان خلف ماو فى حين أصبح شواين ـ لاى الرجل الثالث وفى سبتمبر 1972 أختفى لن بياو بدوره فى ظروف غامضة ويبدأ ماوتسى تونج الإعداد لأكبر إنقلاب فى حياته السياسية بالتقرب من الولايات المتحدة .
مواضيع ذات صله: