ما أصعب أن يكون المرء أمينا وموضوعيا لا يقلل من خطر الأحداث ولا يبالغ فيها وبأختصار أن يكون صحفيا
إن المهمة الأولى للصحفى هى البحث عن الأنباء ونشرها أما التعليق عليها وأستخلاص الدروس منها فهو أيضا من مهام الصحفى ولكنه يأتى فى المرتبة الثانية ويتطلب ذلك بعض الصفات الخاصة فإن من يرغب فى إعلام الآخرين يجب أن يكون هو الآخر على علم ولذلك فإن الصحفى الأمين يجب أن يكون ملما بمجريات الأحداث وأن يكون مستعدا للتعايش معها وأن يكون شاهدا أمينا يسجل قصتها بدقة وبأقصى درجة من الموضوعية والسرعة فالمهنة التى يزاولها الصحفى تتطلب منه أن يكون كاتبا ولكن كاتبا متواضعا يدرك أن كتابته فانية وعابرة كما تتطلب منه فى نفس الوقت أن يكون مؤرخا يتابع التاريخ خطوة بخطوة ويوما بعد يوم وأن يكتبه وهو ما يزال ساخنا أى فى اللحظة ذاتها التى يولد فيها .
نشأ هذا المفهوم للصحفى الإعلامى فى القرن 19 وإلى جانب الصحافة السياسية التى أبرزت صحفيين كثيرين ظهر فجأه طراز جديد هو المخبر الصحفى وكان للمخبر الصحفى هو الآخر أسطورته وقد صوره جول فيرن فى صورة مزدوجة رائعة مع شخصيات الفرنسى أليد جوليفيه والإنجليزى هارى بلاونت اللذين أضفيا الضوء على بعض مشاهد ميشيل ستروجوف والواقع أنه كان يجب تسميتهم بأسم ستانلى وألبرت لندر .
- المخبر والمعلق
ليس هناك ما هو أكثر تنوعا من مهنة الصحفى وهى مهنة لا يقلل من مكانتها وذلك الكاتب المجهول الذى لا يفارق مكتبه أو سكرتير التحرير الذى يجد نفسه على إتصال دائم بلوحة التوضيب يقدر ما يتميز به المخبر الدولى أو المخبر العظيم الذى أضفت عليه تحقيقاته الهامة أمجادا عظيمة والذى لا يكاد يغادر طائرة حتى يستقل آخرى يجوب بها العالم فى كل الإتجاهات
إن المراسل الخاص الذى يمثل صحيفته فى فلسطين أو العراق مثلا قد يستقبل المبعوث الخاص الذى يمر بعاصمته فى طريقه لإستقصاء الأخبار فى بعض المناطق الساخنة وقد يتحول هو نفسه إلى مبعوث خاص فيترك مقره للقيام بمهمة صحفية وقتية وفى الأحداث سواء كانت هزات أرضية أو إنقلابات سياسية أو بطولات رياضية أو مؤتمرات أو حوادث سقوط طائرات أو وزارات فإن العامل المشترك بينهما هو الصحفى .
أما المراسل الحربى وكل سلاحه لا يتعدى قلمه أو آلة تصويره فقد يضطر للزحف فى الوحل أو تحت وابل من القنابل فى حين أن زميله المكلف بمتابعة سباق الضاحية حول دولة ما لا يحجم عن إستنشاق الأتربة المتصاعدة فى مجرى السباق وهو يحاول تسجيل تفاصيل كل مرحلة من مراحله فإن الصحف الهامة تراعى الإستعانة بالصحفيين المتخصصين ففى المجال الرياضى يختص أحدهم بتقديم المقالات عن كرة القدم ويقدم آخر مقالاته عن مباريات التنس وثالث عن سباق الدراجات أما المخبر القضائى فيتابع الموضوعات الجنائية ويحضر المحاكمات فى محكمة الجنايات ويقوم محررون مؤهلون بتقديم تحقيقاتهم عن المناقشات البرلمانية ويتخصص الناقدون الصحفيون فى نقد العروض الفنية فى السينما والمسرح أو فى الإذاعة والتليفزيون أو الأدب والفنون فى حين يعكف آخرون على معالجة الموضوعات العلمية والنسائية والنقابية والإقتصادية ... إلخ وكثيرا ما تلجأ الصحيفة لكتاب بالأجر وهم صحفيون خارجيون مستقلون عن الصحيفة وبعضهم يقدم أبوابا خاصة فى الطب أو فلاحة البساتين أو شئون المطبخ ويقدم آخرون مقالات دورية فى المجالات السياسية والتحقيقات الصحفية والفكاهة وحتى الإفتتاحيات كما أن الصحيفة تصلها برقيات من وكالات الأنباء التى تتبادل الأنباء فيما بينها والتى تستخدم هى الآخرى طائفة من الصحفيين .
والصحف ووكالات الأنباء وكذلك محطات التليفزيون الإخبارية تضم فى أقسامها معاونين ينحصر عملهم فى إعادة كتابة البرقيات جزئيا ويتناقل المخبرون والمراسلون فيما بينهم المقالات التى يكتبونها على عجل عن طريق التليفون أو الإنترنت وتنتقل المهمة إلى المحرر المقيم ليضفى عليها الشكل النهائى كما قد يضيف إليها المعلومات التى قد تصله فى أثناء ذلك وفى المدن متوسطة الحجم حيث تقل درجة التخصص فى العمل يوجد أيضا المحررون متعددو الإختصاص وهؤلاء الذين يستطيعون الكتابة فى أى موضوع يعرض عليهم وقد قال أحد كبار رؤساء التحرير لزميل له من المحليين "إذا لم يكن الموضوع ذا أهمية فعليك أن تضفى عليه هذه الأهمية" .
ولفظ المحلى فى مجال المهنة وفى المدن الصغيرة يدل على مراسل الصحيفة الذى يؤدى أعمال التحرير فى كل المواد وهو مضطر للإهتمام بكل شيئ من المجالس البلدية والمحاكم والأعياد والإحتفالات ومباريات كرة القدم والحوادث والإجتماعات والأسواق التجارية إلى أتفه الحوادث إن عمله يقتضى أن تكون له إتصالات بكل أوساط المدينة وذلك عن طريق مخبرين لكى يضمن ألا يفوته أى خبر وفى مقر الصحيفة إذا كان سكرتير التحرير يشعر بالإرهاق فى اللحظة التى يجرى فيها وضع اللمسات الأخيرة على مواد التحرير أى ربط الكليشيهات قبل إرسالها للطبع فإن الصحفى المحلى يبدأ فى إلقاء النظر على ساعة معصمه وهو يخشى دائما ألا يتمكن من إنجاز مقالته وإرسالها فى الوقت المناسب .
- مسئول وحر
إن الصحافة سواء كانت على مستوى المخبر العظيم أو المراسل الإقليمى وسواء كانت صحافة يومية أو أسبوعية أو وكالات إخبارية تلفزيونية مهنة مثيرة لا يتخذها عادة إلا المتحمسون لها وذو الإستعداد الخاص لمزاولتها ولقد ظلت مهنة الصحافة زمنا طويلا خاضعة للإرتجال والتسلط أما اليوم فهى علم وفن يدرس فى كليات متخصصة وخاضعة لتنظيم إجتماعى (الكارنيه) ونقابى دفاعا عن الذين يتعيشون منها غير أن الصحافة لا تكتسب كل قيمتها إلا إذا كان من يزاولونها رجالا أمناء على مسئوليتهم وفى إطار تنظيم يضمن لهم الإستقلال وحرية التعبير وما أتعس الصحفى الذى يحب الحقيقة ويجد نفسه أحيانا كثيرة مضطرا للتجاوز عنها أو تشويهها فمثل هذه الصحافة هى التى تعرف بالصحافة الصفراء أو بالصحافة العفنة ومهما يكن من أمر فإن عمل الصحفى يتضمن قدرا كبيرا من المعرفة والموهبة والنزاهة تتناثر فى أغوار المكتبات أو تتراكم فى مجلدات مجموعات الصحف والصحافة التليفزيونية من جهتها تكون مرجعا ثمينا للمستقبل .
أجل إن مهنة الصحفى مهنة شيقة وشاقة وقورة ونبيلة مهنة رائعة ما دام من يزاولها مدركا لمسئوليته شاعرا بحريته .
مواضيع ذات صله:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق