أرسطو


إن آراء أرسطو هى التدليل الباهر على أن الفلسفة هى الإحاطة بكل ما هو عالمى و"بالأشياء العليا والصعبة" 

ليس بين كل ما ألفه الإنسان ما يضارع مؤلفات أرسطو سواء من حيث المضمون أو الأهمية التى أضافتها على تاريخ الفلسفة وهى تصف من خلال عدد كبير من الكتب والفصول تصل للألف طريقة للتصنيف يمكن تطبيقها سواء على المعادن أو النباتات أو الحيوانات بل وعلى الإنسان وعلى القوانين التى تسيطر على الكون إن محتويات هذه المؤلفات ليست هى ما يهم كثيرا فضلا عن أن القليل منها هو الذى لم ينقضه العلم حتى الآن بقدر الأهمية التى إتسم بها ذلك الجهد الهائل الذى حاول به أرسطو أن يجمع فى فلسفة متماسكة مجموع ما يمكن أن يدركه العقل البشرى وهكذا تم لأول مرة تعريف المنطق الذى أعاد الأرض إلى موضع المركز من المجموعة الشمسية ووضع الإنسان فى موضع المركز من الكون والكون بالنسبة للإنسان لا يجب أن يتعدى كونه شيئا يجب عليه أن يعرفه .
والمؤلفات فى حد ذاتها لا تعد شيئا هاما إزاء التأثير العظيم الذى أحدثته وما تزال تحدثه فى مجال الفلسفة وفى كثير من المجالات الآخرى مثل اللاهوت وعلم النفس ونظرية النسبية ...إلخ ومن الممكن أن نفهم معظم تاريخ الفلسفة والفكر الغربى من واقع الجهود التى بذلها أرسطو فهى تعرض على الإنسان نظرة منطقية للعلم الكامل وبالرغم مما تعرض له هذا العلم من زعزعة نتيجة الثورة الكوبرنيقية فإنه صمد على هيئة النظرة اليقينية للعلم الحديث .
إن المجازفة التى تنطوى عليها كل فلسفة يمكن العثور عليها فى الفترة من أفلاطون إلى أرسطو وهة "المجازفة والإختيار" وهى بالنسبة لسقراط الشك الدائم للكلام نفسه أو هى فلسفة الحوار الذى يقوم على إقتياد الشخص الذى تحاوره إلى مناقضة نفسه وإدراك أن ما يقوله يشوه ما يريد أن يقوله ويعارضه وعندئذ يكتشف فى نفسه حقيقة كانت تحجبها أفكاره غير الصحيحة .
إن الفلسفة التى تعرف بأنها مولدة أى فن توليد العقول تصبح عندئذ جدلية أو مزاولة معينة للكلام تساعد على العثور فى باطننا على المعنى الحقيقى لما نقوله ويعرض أرسطو فى مواجهة المجازفة العقلية للكلام التأكيد العلمى للحقيقة وهو لا يحتفظ إلا بالنتيجة التى يتوصل إليها أو الواقع الكامل الذى لا جدال فيه لمعرفة لا يمكن مناقضتها ولا تحتاج إلا لإدراكها ومن هنا تنشأ الحاجة للنص المكتوب أو لتلك السمات التى تسمح بالإقتصاد فى التجربة الشخصية لصالح تعميم النتيجة .
وهكذا توضع طريقة تكوين علم جديد وهو الفلسفة ولا يقتصر مفهومها على البحث عن الحكمة ولكنها تشمل عقيدة مترابطة أو نظام يجمع كل المعارف التى توصل إليها العقل البشرى إن العلم سوف يستأثر نهائيا على مدى التاريخ بذلك التراث الذى لن تتمكن الفلسفة من المحافظة عليه ومع ذلك فإن هذا النظام يتسم بدرجة مؤكدة لا جدال فيها من الكمال لقد ترك أرسطو الأكاديمية متأخرا جدا ولم يختلف نهائيا مع سبوسيبى إلا بعد وفاة أفلاطون فى عام 347 ق . م وكان سبوسيبى هو الذى إختاره المعلم ليخلفه .
ولد أرسطو عام 384 ق .م فى ستاجير وهى مدينة أيونية بشبه جزيرة خالكيدونيا لأسرة ثرية وكان أبوه نيكوماك الطبيب الخاص للملك أمينتاس الثانى ملك مقدونيا وألتحق بالأكاديمية فى سن مبكرة جدا إذ لم يكن يتجاوز 17 وفى ذلك الوقت أى فى عام 367 إلتقى بأفلاطون وسرعان ما أصبح من أحسن تلاميذه وبدأ لتوه أولى أبحاثه .
لقد جمع وبوب الكائنات الحية وحاول أن يضع قائمة بكل أنواع الحيوانات التى يقابلها ولما توفى أفلاطون ترك أرسطو أثينا برفقة أجزينوقراط وثيوفراستس قاصدا مدينة أسوس حيث أصبح مستشارا للطاغية هرمياس الأترنى وكانت لحظة عجيبة فى التاريخ تلك التى يلتقى فيها الفيلسوف بالسلطان إلا أن ذلك لم يمنعه من متابعة أبحاثه فى علم الأحياء وأن يفتتح مدرسة عرفت بأسم "اللوقيون" أخذ يوطد فيها شخصيته الخاصة وعلى أثر خلاف عميق حول سياسة التوسع الإقليمى التى كان يتبعها الطاغية وتركه أرسطو وألتحق ببلاط الملك فيليب المقدونى الذى إتخذه صديقا ومعلما لإبنه الإسكندر الأكبر وفى عام 335 عاد إلى أثينا وأسس "المدرسة" على مبادئ معارضة تماما لمبادئ أكاديمية أفلاطون وقد بدأت تلك الأكاديمية فى الأفول تدريجيا إلى أن توقف نشاطها تماما وقبعت حبيسة فكرة طاب لها أن تنعم فيها بذكريات مفاخرها الخاصة وهنا لم تعد البلاغة الرومانية بعيدة وقد قدم أرسطو فى مواجهة تلك الفلسفة التى كانت تتجه قدما نحو التأمل مذهبا نشطا أو فلسفة عمل الإنسان وأثره على العالم الذى يحيط به ممهدا بذلك للثورة الكوبرنيقية .
إن التفلسف معناه السعى للرؤية وتعلم الفهم ولكن الفهم يعنى التنسيق وتفسير الأسباب الأولية ومن هنا ظهرت الطريقتان العظيمتان للمدرسة :
الأولى : هى النشاط المنظم مع العالم الخارجى وهو العالم الذى بدأ الفيلسوف يستأثر به ويرتبه ويتفهمه 
الثانية : هى البحث عن مبدأ سامى واحد يسمح بتفسير كل ما يحيط بنا من ظواهر متباينة 
إن هذا الإتجاه المزدوج (إكتساب المعرفة ونقلها) وهو البقية الوحيدة من تراث الكلام يجب ألا ينسينا الطابع الذى كان أرسطو يضفيه على علماء مستقبله كان يتجول ويعلق على نتيجة البراهين المتقدمة فى المعرفة ولم يكن يتردد فى نفس الوقت فى أن يتوقف ليراقب طائر أبى الحن وهو يبنى عشه وعندما أتهم بالعقوق غادر المعلم أثينا ليجنب تلك المدينة إرتكاب جريمة جديدة ضد الفلسفة ممثله فى شخصه ويمكن فهم مذهب أرسطو إبتداء من نظريته عن الحركة .
فالحركة تشتمل على سببها الخاص فى حركة آخرى تحتوى بدورها على السبب فى حركة آخرى وهكذا دواليك إلى أن تصل إى وحدة السبب الأصلى الذى هو مصدر أول حركة ومصدر كل حركة وهذه الحركة متصلة ولا نهائية وهى بالتالى دورية لا يمكن أن يكون لها أول ولا آخر وبالتالى فهى تتفق والملاحظة الدائرية التى يقدمها الكون ولا يمكن لأى حركة مستقيمة أن تتوافر فيها هذه الشروط إذ أن وصولها إلى حدود الكون سيضطرها للرجوع التقهقرى ولكى تستطيع هذه الحركة الأستمرار غير القابل للتلف لابد من أن يكون لها شيئ غير متحرك فى مركزها وهذا الشيئ هو الأرض وعلى ذلك فإن الكرة السماوية تدور حول الأرض 
وبنفس هذا التسلسل المنطقى تم أكتشاف المبدأ الأول وهو منشأ كل حركة ولذلك فهو غير متحرك ودائم وغير قابل للتلف ومن هذه الفلسفة أنبثق فرع جديد هو ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا الذى يهدف للكشف عن أثار هذا المحرك الأول وسط مختلف الظواهر التى تحيط بنا ذلك هو علم الوجود الذى يكشف عن وحدة جوهرية فوق كل ما هو كائن من أشكال فاسدة وعلى هذا المحرك الأول تقوم وحدة كل معارفنا كخطوات تقترب بنا من الخالق .
كانت الطرق الجديدة التى أتبعها أرسطو فى تصنيف المعادن والنباتات والكائنات الحية هى التى جعلت منه أبا العلم الحديث فهو مبتكر أولى اللوحات التشريحية وأولى المحاولات لوصف وتفهم مختلف أنواع الكائنات الحية وفى "اللوقيون" أنشئت أول مكتبة كبيرة فى تاريخ البشرية وكانت بما إشتملت عليه من مخطوطات ورسوم تشريحية أشبه بمجموعة من الخرائط الجغرافية فإن ما تبقى من أرسطو هو قبل كل شيئ فكرة ذلك العقل العلمى وقد إقتبس هذا المذهب لصالح العقيدة الدينية بوساطة القديس توما الأكوينى الذى جعل منه المذهب الرسمى للكنيسة لأنه وبصفة خاصة يسمح بمحاربة الميول الصوفية لأتباع مذهب "الجنوسية" التى كانت تدعو لتدعيم مزاولة نوع نت الرسامة وهكذا فإن أرسطو كرائد للفلسفات الكبرى للمنطق البشرى تمكن من الوصول بها إلى العصور الوسطى .
وبظهور جاليليو وديكارت ونيوتن إنهارت كل النظريات الأرسطوطالية وإن كان التفكير المنهجى نفسه ظل مدينا بالكثير للجرأة منقطعة النظير التى تميز بها هذا المفكر اليونانى العظيم وإبتداء من ذلك الوقت أخذ العقل البشرى يدرك كلية الكون كما أن بعض العلماء مثل آينشتين وبرتراند واسل أعترفوا فى عصرنا هذا بفضل هذا المعلم الإنسانى الأول وكان من الضرورى إنتظار بزوغ الفكر الرومانتيكى لنضع مفهوما جديدا للعالم .