علم السياسة




هل السياسة هى مجرد علم الإستيلاء على السلطة
أم هى أيضا أستثمار المستقبل ؟
رغم أن نشأة علم السياسة ترجع إلى اليونان القديمة مع أفلاطون وأرسطو إلا أن دراستها تطورت بصفة خاصة فى القرن 19 فقد لوحظ أن كل مشكلة وكل ظاهرة سياسية كانت تنبعث من داخل الإيطار القديم «السياسة القويمة» لكى تندمج فى علم آخر أكثر تخصصا .
وهكذا فأن دراسة الظواهر السياسية بمظهرها الإجتماعى قد أسفرت عن نشأة علم الإجتماع السياسى وعندئذ ظهرت عدة علوم آخرى مثل القانون السياسى أو القانون الدستورى الذى ينظر إلى الدولة من خلال مؤسساتها ومثل الإقتصاد السياسى الذى يهتم بالدولة من الناحية الأقتصادية وبذلك فقد علم السياسة كل إستقلال ذاتى وأصبح قاصرا على مجرد نقطة التلاقى لعدة علوم تتصل كلها بإدارة المسائل العامة .
وترجع نهضة علم السياسة كعلم قائم بذاته إلى نهاية الحرب العالمية الثانية وقد أنتقلت هذه الحركة إلى أوروبا وكانت لها سوابقها فى الولايات المتحدة الأمريكية عندما أنشأت فى الجامعات كليات لعلم السياسة .
واليوم تبدو السياسة وكأنها البحث والدراسة والتفسير لظواهر الدولة وهى تتكون من ثلاثة علوم تاريخ الأفكار السياسية والقانون السياسى أو الدستورى وعلم الإجتماع السياسى .
وكما سبق التنويه فإن علم السياسة نشأ فى اليونان وكان ذلك فى القرن الرابع ق.م مع أفلاطون وتلميذه أرسطو كان مفهوم السياسة فى ذلك العهد هو أنها علم تكوين وسلوك الحكومة ولكن هذه الحكومة لم تكن تتمثل إلا فى «المدن» القديمة وقد عرض أفلاطون أول نظرية سياسية عندما وصف الجمهورية المثالية وفى حين حلل أرسطو مختلف أشكال الحكومات وقد أتسع إطار التحليل السياسى إلى أن بلغ مدى الإمبراطورية الرومانية فى عهد شيشرون .
وفى العصور الوسطى كان القديس توما الأكوينى وهو الممثل الرئيسى «للثورة المسيحية» يؤكد قدسية السلطة المدنية وقد قدم لملك قبرص الشاب هوج الثانى لوزنيان وصفا نموذجيا لملكية معتدلة على شاكلة الملكية الفرنسية فى عهد لويس القديس .
وإلى هنا كانت السياسة شديدة الأرتباط بالأخلاق وفى القرن 16 عرض ماكيافيللى فى كتابه «الأمير» أول نظرية عن السلطة السياسية المجرده من واعز أخلاقى كان ذلك إيذانا بالإنتقال من الفلسفة السياسية إلى نظريات الحكم ولم تعد السلطة فى نظر ماكيافيللى حقا إلهيا ولكن وسيلة فعالة لتأكيد النظام الإجتماعى وهذه السلطة تتركز فى شخص الحاكم الذى يسعى للحصول على طاعة رعاياه أكثر مما يسعى لإسعادهم .
غير أن رجال الفكر فى القرنيين 17 و18 من أصحاب نظرية حقوق الفرد ثاروا ضد هذا المفهوم الإستبدادى للسلطة السياسية وأن سلطة الأمير كل القدرة فى رأيهم يجب التخفيف منها بقيام حكومة تمثيلية (نظرية لوك) أو فصل السلطات (نظرية مونتسكيو) .
وقد ذهب جان جاك روسو إلى أبعد من ذلك فنادى فى «عقده الإجتماعى» بضرورة مشاركة الشعب مشاركة فعلية فى السلطة وكان هذا التيار الفكرى منشأ ثلاث ثورات كبرى :
الثورة الإنجليزية 1689 
الثورة الأمريكية 1774 
وهى الثورات التى أطاحت بالملكية المطلقة وأحلت الديموقراطية محلها وفى ذلك دليل مباشر على تأثير الأيديولوجيات على القلاقل السياسية .
وفى العصر الحديث يوجد نوعان من المذاهب السياسية يعرفان بأسم المذاهب التحضيرية إذ أنهما يسبقان القلاقل السياسية والمذاهب التى من النوع الأول تنادى بالتغيير السياسى عن طريق التحول الفجائى أى (الثوري) أما الثانية وهى المذاهب الإصلاحية فهى تدعو إلى التغيير بالتطور ومن بين النظريات الثورية النظرية الاشتراكية وهى بالتأكيد أهمها .
إن المؤسسات تحول المجتمع بإعتباره تجمعا من الأفراد إلى مجموعة منظمة والهدف من القانون السياسى وهو تحليل المؤسسات مبنى على العادات والتقاليد وعلى القوانين والنصوص التى تشكل النظام السياسى للدول أى التنظيم الإجتماعى للسلطة ويبدو لأول وهلة أن هذه السلطة يمكن مزاولتها سواء فرديا أو جماعيا .
وفى الولايات المتحدة أو فى فرنسا تزاول السلطة التنفيذية فرديا فى شخص رئيس الجمهورية أما السلطة التشريعية فتزاول جماعيا عن طريق البرلمان .
وقد ساعد التحليل السياسى على تبويب مختلف نظم الحكم القائمة وهكذا فحتى القرن 19 كانت توجد ثلاثة أنواع من نظم الحكم وهى : 
الملكية أى حكومة من شخص واحد 
حكومة الأقلية أى الحكومة المكونة من عدد من الأفراد 
الديموقراطية  أى حكومة من الشعب بأكمله 
ومهما يكن من أمر فإن كل نوع من نظم الحكم يمكن أن ينقسم إلى «نظام قويم» و«نظام منحرف» وقد عرض أرسطو الإستبداد كنظام منحرف فى مواجهة الملكية كنظام قويم و إستبدل المشرعون المعاصرون بهذا التقسيم القديم تقسيما مؤسسا على الصلات بين مختلف السلطات التنفيذية والتى تصدر القرارات والتشريعية والسلطة القضائية داخل الإطار القومى 
وعندئذ يبدو الفارق بين النظم التى توصف بأنها تمزج بين السلطات وتلك التى يفصل فيها بين السلطات وأخيرا النظم البرلمانية التى تتضمن قدرا معينا من إستقلال السلطات وأكثر أشكال المزج بين السلطات شيوعا هو «الديكتاتورية» ويتميز النظام البرلمانى بالتفرقة بين رئيس الدولة الذى لا يمتلك سوى قدر ضئيل من السلطة وبين رئيس الحكومة وهذا الأخير يحيط به عدد من الوزراء ويتولى السلطة التنفيذية ولكنه مسئول أمام البرلمان الذى يستطيع أن يعزله .
أما الحياة السياسية ونظم الحكم فلا تحددها الأيديولوجيات ومجموعة المؤسسات فحسب والواقع أن علماء الإجتماع دللوا على مدى التأثير الحاسم للعوامل الإجتماعية وبعض تجمعات الأفراد ولذلك فإن البيانات السكانية والجغرافية والفنية إنما هى نتائج هامة فى مجال سياسة الدولة وقد بدا أن الزيادة الكبيرة فى عدد السكان تؤدى عادة إلى توترات وصراعات إجتماعية تنتهى إما بحروب (ظاهرة دولية) وإما (ظاهرة داخلية).
أما فيما يختص بتأثير الجماعات الإجتماعية فهو قد يكون مباشرا كتأثير الأحزاب السياسية أو غير مباشر كتأثير الجماعات التى تزاول ضغطا ويجب أن نذكر من بين هذه الجماعات المنظمات الصحفية والجماعات الفكرية والإتحادات وأخيرا النقابات التى كثيرا ما يكون لتدخلها نتائج إقتصادية وسياسية .
ولذلك يصبح من الواضح أن الحياة السياسية لا تقتصر على الصراع حول السلطة بين أفراد معدودين ولكنه ينشأ عن أوضاع سياسية وأيديولوجية فضلا عن أثر المؤسسات التى تقدم دراستها العامة وهو ما أصطلح على تسميته بالعلوم السياسية .