العبيد


"العبد مثله كمثل الحمار يحتاج لغذاء وضربات وعمل 
يجب ألا نطلق له اليد ولكن نروضه بالعمل المتواصل وإذا لم يمتثل قمنا بترويضه بالتعذيب" 
الإصحاح الكنسى 33 (25 ـ 30)

"الرق مناقض للحق الطبيعى الذى ولد بموجبه الإنسان حرا مستقلا" كتب مونتيسكيو هذه العبارة فى عام 1748 فى الوقت الذى كانت فيه إقتصاديات جزء من أوروبا تعتمد على تجارة الرقيق كان ذلك التصريح الكريم الذى التقطته إنجلترا وفرنسا وعززتاه سببا فى إيقاظ الرأى العام وفى إدانة الرق فى العالم الغربى .
كان الموقف الجديد الذى وقفه مونتسكيو يتعارض ليس فقط مع الكنيسة ولكنه كان يتعارض أيضا مع حقيقة راسخة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية ومع نظام كانت القوى الإستعمارية فى جزر الهند الغربية تعتبره حيويا ومع الحق المعترف به من رجال الكنيسة ومن البابوات الذين كانوا ينظرون لغير المسيحيين نظرتهم إلى دواب الحمل .
  • أقدم من التاريخ 
يبدو أن إستخدام اليد العاملة المسخره قبل إختراع الكتابة كان بمثابة صقل للأخلاق أن جاءت اللحظة التى رأت فيها الشعوب المحاربة أن تتخلص من المهام الدنيا مقابل القليل من الغذاء فأقدموا على إبادة الشعوب التى قهروها وألتهام أفرادها .
كانت أولى المدن السومرية ذات الطابع الزراعى قد قامت على شواطئ الخليج العربى وفى دلتا نهرى دجلة والفرات ومع هذا الإستقرار إقتضت فلاحة الأرض التى أمتلكوها وإستخدم الأيدى العاملة الوفيرة والمجانية لإمكان إقامة وصيانة منشآت الرى وضمان إستمرار أعمال الفلاحة .
وبعد ظهور الكتابة وقبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة وصلت إلينا قوائم بالبضائع والأدوات والكنوز التى أحصيت داخل المعابد ومن بين الرموز المنقوشة فوق لوحات الصلصال أستطعنا أن نميز إحصاءا للعبيد وفى سومر كان الأسرى يسحبون كالعبيد أشبه بالثيران التى تعمل فى الحقول إذ كانوا يقادون بحبال تمر خلال حلقات تثبت فى أنوفهم ومع تقدم الحضارة وزوال عادة أكل لحوم البشر بدأ الرق ينتظم وتحدد له قواعد وفى بعض الأحيان كانت الفرصة الوحيدة أمام العبد لكى يبقى حيا هى خضوعه لتلك النظم والقواعد التى كانت تجعل من العبيد دوابا آدميه يمتلكها السادة الذين كانوا يعتمدون على إستغلالهم لتحقيق سيطرتهم وبالنسبة للشعوب القديمة كان المصدر الوحيد للطاقة هو عمل الإنسان كما كان كذلك بالنسبة لغزاة الدنيا الجديدة الذين أضافوا التهجير إلى الإستغلال .
  • من اليونان إلى روما 
ألا يرجع السر الحقيقى فى إزدهار أثينا فى القرن الخامس قبل الميلاد وفى النشاط العظيم الذى بلغته تجارتها إلى العمل الذى كان يؤديه عبيدها الكثيرون ؟ 
كان هؤلاء يصنعون المنسوجات والقوارير والعطور وكانوا هم عماد العمل فى الترسانات البحرية وفى الموانى ومناجم لوريون ولم تكن لهم أى حقوق وكانوا يعاملون كما تعامل الدواب تماما وقد أدرك أرسطو أن إختراع الآله سوف يقضى على الرق وكتب فى السياسة يقول إن "فائدة الحيوانات وفائدة العبيد تكادان تتساويان فكلاهما يساعدنا بقوته البدنية على إشباع إحتياجات البقاء ولذلك فإن الحرب تعتبر إلى حد ما وسيلة طبيعية لأنها تشمل تلك المطارده التى يجب أن تقوم بها للحيوانات المفترسة وللعبيد وهم الذين ولدوا ليطيعوا ولكنهم يرفضون الخضوع" وفى روما كان الرق يلقى دراسة دقيقة ويطبق وقد أشتهر كاتو القديم بنصائحة كما أشتهر شيشرون بكتاباته فى هذا الموضوع ولم يكن الرومان يقنعون بزيادة عدد العبيد ليصبح أربعة أضعاف عدد الأحرار وأن يخفوا أهميته العددية بإستخدام السوط والصلب بل إنهم عمدوا إلى تدريب السلالات الراقية من العبيد على أعمال السيرك التى كان من بينها عروض المصارعة التى أثارت الرعب طيلة ثلاثة قرون .
  • المسيحية والعصور الوسطى 
إنتشرت المسيحية الأولى بين الضعفاء ولكن الكنيسة ظلت منذ القرون الأولى أبعد من أن تدين الرق وطبقا لأراء القديس أوغسطين فإن المساواه بين البشر من العوامل التى تؤدى إلى "تحطيم الخطايا التى تؤدى إلى خضوع الإنسان لأخيه الإنسان" ولذلك فقد كان يدعو للإستسلام وفى عام 630 أصدر مجمع الأساقفة فى ريمس توصيه بحظر بيع العبيد لغير المسحيين كما أمر مجمع توليدو فى عام 655 بأن الأطفال الذين يولدون للقساوسة يصبحون عبيدا للكنيسة وعندما أدت إكتشافات كريستوفر كولومبس لتوسيع سلطان الكنيسة ادعى البابا ملكية القارة الجديدة بأكملها للأسبان وقال "إن الأرض تراث عام وهى ملك لله".
  • العصور الحديثة 
كان تعطش الأسبان الذين غزوا الدنيا الحديدة للذهب سببا فى فرض السخرة فى المناجم على هنود الكاريبى الذين كانوا يموتون بأعداد كبيرة وسرعان ما كادت كوبا وتاهيتى تخلوان من سكانهما أما الفرنسيون فقد أستغلوا رحلات جاك كارتييه وأمير روبرفال ونظموا إستخدام الأهالى الوطنيين مما أدى إلى وفاة الكثيرين منهم ولم يكن الإستعمار الإنجليزى فى الأمريكتين أقل سوءا من الإستعمار الأسبانى أو البرتغالى كان الإفتقار للأيدى العامله سببا فى جلب زنوج أفريقيا دون ما إعتبار لتناقص سكان المناطق الشاسعة التى تمتد من السنغال إلى أنجولا كانت تجارة العبيد تجرى بدقة كبيرة تفوق كثيرا ما كانت تدعيه الحملات المناهضه للرق وكانت التجارة الثلاثية تستخدم سفنا محملة بالعملة الهندية ( أقمشة قطنية كانت تستخدم وحدة نقدية مقابل الرجل الزنجى ) وبالمصنوعات الزجاجية ( قمة التجارة ) وبنادق رديئة الصنع وكان يستبدل بها فى أفريقيا بعض الزنوج ثم تجرى المقايضة عليهم فى جزر الأنتيل بالتوابل التى كانت السفن تحملها لتباع فى فرنسا وفيما عدا الشحنة التى أفرغت فى البرتغال عام 1444 لم تعد أوروبا تشاهد أحدا من هؤلاء الزنوج الذين كان الإتجار فيهم هو الذى أدى إلى إنشاء أولى شركات المساهمة والنظام المصرفى الحالى الذين حققا أضخم حركة نقل بشرى عرفها التاريخ كما أسس نظام التأمين على الحياة فقد كانوا يؤمنون على "الحمولة" وفى الإقرار كانوا يعلنون أن الحمولة من الدواب الأدمية وأثار هذا التأمين كثيرا من المشاكل وأدى إلى التحريم معنويا وفى المستندات والوقائع وبظهور "بتشرستو" تدخلت العاطفة أخيرا ويكفى أن نقرأ قصة "كوخ العم توم" لكى نقتنع بذلك .
ولكن الرق المتوارث يعد من الميول الدفينة فى نفس الإنسان لإستغلال أخيه الإنسان