مارتن لوثر كنج




إذا فرض وأقمنا نصبا تذكاريا لنحفر عليه أسماء أولئك الرجال الذين كانوا خير قادة للناس فإن إسم ذلك القس الأسود القصير لابد أن يكون من بينها 



اليوم 28 أغسطس 1963 ومدينة واشنطن تمر بفترة حر شديد وقد خرج 200.000 أمريكى إلى الحدائق ما بين السود والبيض ورؤساء النقابات ورجال السياسة وأمام تمثال لنكولن وقف قس أسود شاب لتفا بعباءة واسعة داكنة اللون ذلك هو القس مارتن لوثر كنج وكان يقول "إنى أحلم باليوم الذى يستطيع فيه أطفالى الأربعة أن يعيشوا فى أمة لا تحكم عليهم بلون بشرتهم ولكن بقدراتهم الشخصية" .
كان 22 مليون من السود يقفون خلف كنج عندما بدأ حربه فى سبيل الحقوق المدنية وقد رفعت اللافتات تنادى بالمساواة فى العمل وإزالة التفرقة العنصرية فى مجال الإسكان والخدمات العامة والإسراع بقبول الأطفال السود فى المدارس العامة والحرية فى مزاولة حق الإنتخاب فى ولايات الجنوب كان مارتن لوثر كنج يتولى زعامة الثورة التى كانت تعتمد لا على القوة البدنية ولكن على العصيان المدنى والتعاليم السلمية التى وضعها غاندى وثورو وكانت أولى نتائج هذه المسيرة إلى واشنطن أن مجلس الشيوخ أقر أهم قانون فى مجال التشريعات العنصرية منذ قانون تحرير السود وكان ذلك هو قانون الحقوق المدنية التى صدر فى 6 أغسطس 1965 والذى ألغى الإختيار فى درجات التعليم والذى قضى بإنشاء سجلات إتحادية تضمن حقوق الإنتخاب للسود الذين لم يقيدوا فيها والذى يعتبر تأكيدا لوجودهم السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية .
الحلم الأمريكى 
كان يربط بين كل من جون فتزجرالد كيندى ومارتن لوثر كنج وروبرت كيندى رباط مأسوى وكان هؤلاء هم الرجال الذين وهبوا أنفسهم فى سبيل صراع واحد أو "الحلم الأمريكى" نحو المساواة والسعادة للجميع فى مجتمع وسمته تقاليد العنف وكان القس كنج يقول "إن وراءنا ماضى حافل بالجريمة والنار والدم" وهو يستعيد مآسى تاريخ قومه الذين أنتزعوا من أوطانهم التى ولدوا فيها وألقى بهم فى قارة بعيدة معرضين لأسوأ أستغلال وأقصى عنف وبالرغم من كل شيئ فإن القس كان يلتزم بالقانون وبالنظام وبالأمل فى إقامة مجتمع أكثر عدالة .
متفرجون على جائزة نوبل 
ديسمبر 1955 كان أول عمل ضد التفرقة العنصرية فى الجنوب هو مقاطعة شركة أتوبيسات مونتجومرى وهى المقاطعة التى أستمرت 381 يوما وحققت نصرا باهرا لأنصار المساواة العنصرية ولكى ينسق كنج أعماله قام بإنشاء مؤتمر "الزعماء المسيحيين فى الجنوب" فى حين كون الطلبة المناهضون للتفرقة سود وبيض وبمساعدة القس "لجنة التنسيق للطلبة المسالمين" التى تحولت فيما بعد إلى "القوة السوداء" وفى عام 1963 تدفق المتطوعون فى سبيل الحقوق المدنية نحو برمنجهام فى "مسيرة الحرية" وهم يتحدون الحظر ويجلسون فى المحال العامة غير عابئين بالإهانات التى كانت توجه إليهم هؤلاء هم "المتفرجون" وقد جرى القبض على العديد منهم وأمضى كنج خمسة أيام فى السجن ولكنه ضاعف المظاهرات فى كل من ألبانى ولكسنجتون ثم فى برمنجهام حيث قام بعض العنصريين من البيض بتخريب إحدى الكنائس وقتل أربع فتيات سود وبالرغم من رد الفعل العنيف الذى سببته هذه الأحداث بين صفوف السود الذين بلغت بهم الإستثارة أقصى حدودها إلا أن كنج صرح فى أثناء الصلاة الجنائزية على الضحايا بقوله "بالرغم من الظلمات التى تحيط بنا فى الوقت الحاضر إلا أننا يجب ألا نيأس ويجب ألا نفقد ثقتنا فى إخواننا البيض" وهنا وكنج فى أوج مجده نودى به "رجل العام" وفى عام 1964 نال جائزة نوبل للسلام وإبتداء من عام 1965 غادر كنج مسقط رأسه فى الجنوب ونزح لمواصلة كفاحه فى الشمال كانت المشكلة العنصرية قد إتخذت أبعادا واسعة إبتداء من صيف 1964 وذلك بإمتداد الثورة من هارلم حى السود بنيويورك إلى شيكاغو ولوس أنجلوس 1965 وكليفلاند وأوهايو وأتلانتا وسان فرانسسكو صيف 1966 وتامبا وسينسيناتى وبافالو ونيوآرك وديترويت وسانت لويس وميلووكى صيف 1967 وغيرها من المدن ومن الناحية النظرية كانت الفنادق والمطاعم مفتوحة للجميع ومن الناحية النظرية أيضا كان السود أحرارا فى إستخدام حقوقهم الإنتخابية فقد كانت القوانين قائمة وتنص على ذلك ولكن :
ما فائدتها ؟ 
إن المحاكم لا تستطيع أن تتدخل فى بعض مظاهر المجتمع كالعادات والسلوك الشخصى وفى بداية عام 1968 كان كنج يعد لمسيرة سلمية جديدة إلى واشنطن وفى نهاية مارس أوقف هذا الإستعداد لحملة الفقراء لكى يساند إضرابا قام به عمال النظافة فى مدينة تنيسى ولكن الإضراب تحول إلى العنف فعاد كنج إلى الفندق الذى كان ينزل فيه وأعلن أنه سيعود إلى تنيسى ولكن لقيادة مسيرة سلمية تماما .
وهنا يعلن النبأ الفظيع "تنيسى 4 أبريل 1968 قتل القس مارتن لوثر كنج برصاصة أصابته فى وجهه بينما كان يستريح فى شرفة حجرته بالفندق وقد شوهد شاب أبيض يهرب من العمارة التى أطلقت منها البندقية" وفى يوم 10 أبريل فى أتلانتا تقدمت جموع غفيرة نحو مقبرة كلية مورهاوس وهم يرددون نشيد عدم العنف "سوف ننتصر" وعلى رخام قبره حفرت بضع كلمات "الحرية أخيرا الحرية أخيرا شكرا لك يا ربى إننى حر أخيرا" .

المواضيع ذات صله:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق