قال جان دى لابرويير
"واجب القضاة إقامة العدالة ومهنتهم نشرها وبعضهم يعرفون واجبهم ويؤدون مهنتهم"
على حين أن السلطة فى الماضى فى عهود أنظمة الحكم الملكى المطلق مركزة فى يد رجل واحد فإن فى البلاد الديموقراطية اليوم ثلاث سلطات مستقلة الواحدة عن الأخرى وهى السلطة التشريعية فى البرلمان والسلطة التنفيذية فى الحكومة والسلطة القضائية ولا تنفصل هذه السلطة الأخيرة عن مفهوم الدولة إذ أن الولاية العامة وحدها هى التى لها "حق إقامة العدالة" وتتكون الإدارة القضائية التى تقيم هذه العدالة وتصدر أحكامها من عدد من القضاة وقد تصدر القرارات التى تتخذ عن قاضى واحد أو عن هيئة من القضاة .
- تقسيم السلطة القضائية
قد يكون التنظيم القضائى الذى يختلف أختلافا كبيرا فى بلد عن الآخر على شكل هرمى فعند القاعدة محاكم الدرجة الأولى وهذه نسبيا كبيرة العدد وموزعة على نطاق واسع فى طول البلاد وعرضها وعند القمة القضاء الوطنى (محكمة النقض فى مصر والمحكمة العليا فى الولايات المتحدة الأمريكية ومحكمة النقض فى فرنسا والمحكمة الإتحادية فى سويسرا) ولا يجوز اللجوء إليه إلا فى القضايا بالغة الأهمية أو بالغة الخطورة وفى الغالب بعد المثول أمام محاكم الدرجة الأولى ثم الدرجة الثانية (محكمة الإستئناف) .
وهناك بلاد كثيرة لا يشكل القضاء الوطنى فيها درجة ثالثة فى سلم القضاء والواقع أن دوره ليس النظر للمرة الثالثة فى وقائع النزاع وإنما دوره أن يفحص ما إذا كانت الأحكام التى تصدر قد جاءت تطبيقا سليما للقانون وكقاعدة عامة فإن هناك إذن درجتين قضائيتين إلا أن هذه القاعدة فيها بعض الإستثناءات وبصفة رئيسية فى الناحية الجنائية فإن الأحكام التى تصدرها محاكم الجنايات (التى تتولى إختصاص القضايا الإجرامية) ليست قابلة للإستئناف ومع ذلك فإن المحكوم عليه فى أستطاعته دائما أن يطالب (بحق العفو) الذى يدخل فى إختصاص رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء .
وإلى جانب المحاكم المدنية المكلفة بالحسم فى النزاعات الخاصة هناك المحاكم التجارية التى تفصل فى الخلافات التى تنشأ فى عالم الأعمال والمحاكم البحرية والعسكرية والتأديبية أو الجنائية التى آل إليها حق إصدار بعض العقوبات (الغرامات والحبس والحجز) على من يرتكبون بعض المخالفات وهناك المحاكم الإدارية وهى التى تنظر فى الخلافات بين الدولة أو بين الإدارات العامة وبين المواطنين .
- القضاة ومساعدوهم
فى بعض البلاد مثل الولايات المتحدة يتولى القضاء قضاة ينتخبهم الشعب لفترة محددة ويمكن إعادة إنتخابهم أما فى فرنسا فإنهم على العكس من ذلك يعينون بمرسوم من رئيس الجمهورية ولو أنه يتعين أن يكونوا حائزين لشروط السن والتأهيل أو لائقين صحيا وأدبيا والقضاء الواقف أى أعضاء النيابة من وكلاء النائب العام أو مساعديهم الذين يمثلون مصالح الدولة أو المجتمع بصفة عامة الذين لا يجوز لهم الترافع أمام المحكمة إلا وقوفا وبالإضافة إلى القضاة فإن فى كل محكمة عددا من كتبة المحاكم وهم نوع من السكرتاريين الذين أدوا اليمين ويقوم على خدمة الجلسات أحد حجاب المحاكم ويكلف بعدة أمور مثل حراسة الجلسة ومناداة الشهود وتوصيل أوراق القضايا أما كبير المحضرين فإنه يعد محاضر الجلسات وينفذ الأحكام والقرارات الأصلية ويمثل المحامون أصحاب القضايا أمام المحاكم المدنية والتجارية أو الإدارية وهم يتولون الدفاع عن المتهمين أو عن مصالح المتضررين (الشاكين) أمام المحاكم الجنائية وهم ينتظمون فى مجموعات رسمية أو خاصة تعرف بإسم نقابات المحامين والتى يمثلها نقيب المحامين عن طريق الإنتخاب من جموع المحامين المشتركين فى النقابة .
ويستعين القضاة بخبراء لتقديم معلومات أو إيضاحات فى بعض الموضوعات مثل (العلمية والتكنولوجية والفنية) التى لا يعرفها القضاة جيدا وعلى سبيل المثال إذا وقع خلاف بين شركاء قدامى على حساب شركتهم فإن القاضى يعين خبيرا حسابيا لكى يحدد ذلك الجزء من التصفية الذى يخص كلا منهم أو إذا كان هناك نزاع بشأن لوحة فنية يستعين القاضى بخبير متخصص فى الأعمال الفنية أما الموثقون فإنهم لا يشتركون مباشرة فى سير العدالة إنما يقتصر دورهم بصفة أساسية على إعداد الوثائق بالشكل الذى يتطلبه القانون مثل عقود بيع العقارات وعقود الزواج والإيجارات وبعض الوصايا وغير ذلك وتشكل العقود الموثقة التى مازالت تسمى العقود الأصلية أدلة مقطوعا بها وذلك فى حالات تعرض بعض المصالح للشك .
- المساواة أمام العدالة
وعلى ذلك فإن العدالة تبدو اليوم فى صورة خدمة مستقلة تهدف إلى إقامة المساواة بين المتقاضين بدون أى تفرقة وإختصاص القضاة والإجراءات نفسها تطبق على الجميع أى كان لونه أو جنسه أو وظيفته أو ديانته ونظرا لأن القضاة يحصلون على مرتباتهم من الدولة فإن أيا كان يستطيع أن يدافع عن حقوقه أمام إحدى المحاكم ومع ذلك فإن القضايا مازالت باهظة التكاليف من حيث مصاريف الإجراءات وأتعاب المحامين وهذا هو السبب الذى جعل بعض البلاد تنشئ نظام "المعونة القضائية" الذى يهدف إلى الإعفاء من جميع النفقات بالنسبة للمعدمين لكى يسود العدل على يد القضاة ولا أحد غيرهم ولتختفى عادات الثأر ولا يسود قانون الغاب والقوى يأكل الضعيف .