إنها لمرحلة مثالية تلك التى تقوم فيها الدولة بناء على الإرادة الحرة للشعب ويتوافر فيها توازن سليم بين الناحيتين التشريعية والتنفيذية ضمانا لسعادة الجميع
ترجع فكرة الدولة إلى فجر الفكر اليونانى اللاتينى (كتب عنها أفلاطون فى مؤلفه "الجمهورية") ولكن المفهوم الحديث لهذا اللفظ كتنظيم سياسى لم ينشأ إلا فى القرن 16 والدولة فى المرحلى الحالية من تطورها تشمل مفهومين معترفا بهما يرتبط كل منهما بالآخر إرتباطا وثيقا فهى بالمفهوم الأول تدل على مجموعة بشرية من طراز خاص وتلك هى "دولة ـ الأمة" وبالمفهوم الثانى وهو أكثر تحديدا فهى مجموع الحكومات فى أمة أى "دولة ـ الحكومة" وكما هى الحال فى كافة الظواهر الإجتماعية فإن هذا المجتمع يخضع لنظام تشرف عليه سلطة معترف بها ومقبولة ومن هنا كانت نشأة السلطة فى داخل الدولة .
- سلطة الدولة
ظل الأساس الفلسفى للسلطة على مر القرون مثارا لجدل عنيف ففى عهد نظام الحكم القديم كانت السلطة تعتبر ذات مصدر قدسى وأخذت تتحول تدريجيا إلى المفهوم العلمانى وأعتبرت نابعة من الشعب وإن أختلفت أشكالها بدرجات شديدة التباين وهكذا فعندما تسند السلطة بدرجة تكاد تكون مطلقة للقائمين بالحكم يكون معنى ذلك تسهيل قيام الفاشية وهذا الميل المتطرف مع ذلك يهيئ المجال لقيام السلطة الديموقراطية التى تنتشر كثيرا فى الغرب وفى دول العالم الثالث
والدولة بوصفها ذات سيادة تكون متحررة من أى ضغوط عليها وحره فى مزاولة سلطتها فى إتجاهات متعددة وتشمل السلطة السياسية للدولة وضع القواعد السلوكية للأفراد أو الحكم أو التحكيم أو إصدار القرارات فى حالة أى مخالفة لتلك القواعد .
إن التدخل فى المجال الإقتصادى وضمان الأولوية للنواحى المدنية على النواحى العسكرية والدينية والمحافظو على السلام وإقامة النظم والمؤسسات اللازمة لتأمين النظام الإجتماعى ويفترض فيه أن تكون السلطة العامة موكلة بالقيام بأعبائها على أساس رضاء المحكومين والذين يضفون الشرعية على تلك السلطة ويكسبونها صفة الحكومة المفوضة قانونا بأداء هذه المهمة .
والسلطة من جانبها تخضع لقوانين تتعهد الدولة بأحترامها ومن هنا فإن القانون وقد أصبح أداة السلطة فهو أيضا الرقيب عليها .
- تنظيم السلطة
إن القانون بوصفه تنظيما إجتماعيا لا غنى عنه لضمان تأدية الحكومة لمهمتها وفى الدولة ذات النظام الديموقراطى يسمح القانون للمحكومين بالطاعة لا لفرد بل لوظيفة وذلك هو ما يعبر عنه بتقنين السلطة على شكل مجموعة من القوانين أو القواعد أو العادات تضمن للمواطن شرعيته وكضمان مطلق فإن حدود السلطات التى تختص بها الدولة يجرى تحديدها وتعريفها على هيئة "دستور" .
والدستور نص له وقاره يتضمن إعلانا بحقوق الإنسان وحقوق المواطن والحقوق الإقتصادية والإجتماعية كما يحدد المبادئ العامة والإجراءات والقوانين التى تتعلق بإقامة السلطة وبمزاولتها وبالظروف التى تستطيع الحكومات فيها أن تستخدمها والمحكومين أن يحترموها ولذلك فإن الدستور له منزله أسمى من منزلة الحكومة وأجهزتها إذ أنه يحدد السلطة الشرعية ويوزع الإختصاصات وكمبدأ عام فإن الشعب وهو صاحب لسيادة هو الذى يضع أسس الدستور سواء أكان ذلك من خلال ممثليه المجتمعين على هيئة مجلس دستورى أو عن طريق الإنابة .
ولذلك نجد أن بعض الدول لديها جهاز للرقابة على مطابقة القوانين لنصوص الدستور وأخيرا فإن هذه النصوص الأساسية هى التى تحدد بدقه الأنماط والتكوين والمهام التى تتخذها ما أصطلح على تسميتها بالسلطات الثلاث وهى :
السلطة التشريعية : التى تضع القوانين
السلطة التفيذية : التى تنفيذ القوانين
السلطة التفيذية : التى تنفيذ القوانين
وهما سلطتان منفصلتان تماما فى الدولة الديموقراطية الحديثة وذلك لتجنب الإتجاه نحو الديكتاتورية والحكم المطلق
السلطة القضائية : التى تبت فى المخالفات
وعن طريق الإنتخاب الذى يقوم به المواطن لإختيار برلمانا تشريعيا "مجلس الشعب" وهو الذى يقوم يأختيار الحكومة وهى "السلطة التنفيذية" أما أعضاء المحاكم فيجرى أنتخابهم أو تعيينهم تبعا للنظام المتبع فى كل بلد وعلى ذلك فإن هذا التنظيم الإجتماعى يفترض فيه أن تسمح للمحكومين بحرية الرأى وحرية الإجتماع وحرية الصحافة وهى حريات سياسية أساسا وإن كان من الواجب ألا تطغى على بعض ظواهر هيمنة الدولة .
- مسئوليات الدولة
كان التوسع الإقتصادى فى القرن 19 والذى أمتد فى القرن 20 فى الأمم الغربية سببا فى قيام الدولة "بالأنتشار بالعديد من المسئوليات التى كانت تعتبر قبل ذلك من إختصاصات الأفراد فبعد أن توقفت عن الإقتصار على مهام المحافظة على النظام العام وجباية الضرائب والتنظيم العسكرى أصبحت تضم تحت جناحيها قطاعات عديدة واسعة من الحياة الإقتصادية فأخرت بذلك من إنطلاقة التحررية .
وقد أتخذت هذه السلطة الجديدة شكلا رائعا يتجلى فى التأميم مثل ( السكك الحديدية والبريد وصناعات التبغ والكهرباء . . . ) وإن كانت فى نفس الوقت تزاول بالمشاركة مع الأستثمارات الصناعية أو بسياسات الدخول والقروض وبذلك أقتضى الأمر فرض تخطيط فى المستوى الحكومى ليساعد على تنظيم الإقتصاد القومى .
وقد أدت هذه المسئوليات الجديدة بالإضافة إلى النمو الصناعى إلى تضخم هائل فى المالية العامة وكذلك فى التنظيم الإدارى كما تطورت مفاهيم التكوين الوظيفى والأمن الإجتماعى والتعليم الأمر الذى جعل القطاع العام يتولى مسئوليات إجتماعية جديدة فجعل من تأمينات الشيخوخة والمرض إلزاما وقرر صرف الإعانات وحماية المعوقين والعاطلين عن العمل والعمال بتشريعات عمالية .
وأخيرا فإن الدولة كجهاز تحكيم عالى تحكم فى المنازعات الداخلية بين مختلف الأقليات وكل التجمعات السياسية أو النقابات وذلك بمنحهم ضمان التقاضى كما أن مهمتها على الصعيد الخارجى فى الشئون الخارجية والنعاهدات والأحداث الحربية جعلتها مسئولة عن الدفاع القومى وإخضاع الجيش للتنظيم التابع من سلطتها المدنية .
إن هذا التكوين وتلك السلطات التى أرتبطت بالدولة فى النظم الديموقراطية الغربية وفى البلاد الآخذه فى النمو والتى تنأى عن الديكتاتورية لا تخضع لتنظيم واحد بل لقد إتخذت أشكالا متباينة فى مختلف الدول .
وعلاوة على الدول "الوحدوية" مثل فرنسا أو أسبانيا أو الجزائر فهناك دول آخرى تعرف بالدول "المركبة" وهى تتكون من مجموعة "دولية" متحده فيما بينها برباط مجتمعى فإن الدول الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتى وغيرها يخضع نظام الحكم فيها لعلاقات معقدة ويعتبر الإتحاد السويسرى من أحسن الأمثلة على ذلك .
وإذا نحن أستثنينا الظواهر الفوضوية فى المجتمع والتى تميل لإلغاء "الدولة" وكل أنواع الضغوط التى قد تفرض على الفرد لظهر لنا واضحا أنه مهما كان الشكل الذى تتخذه الدولة فإنها تظل تنظيما متميزا شرعيا وضروريا ليضمن لأكبر عدد ممكن السعادة الروحية والمادية التى هى من حقه .