عبده دهب



"حاولت "مصر الفتاة" ان تستخدمنى للاتصال بالفاشست الايطاليين فى مصر وكلفتنى بالعمل لدى ايطاليين لكن الايطالى الذى عملت معه كان شيوعيا" .. عبده دهب







كان الفتي الأسمر ابن وادي حلفا يغلي ثورية ضد الاحتلال وكانت مصر الفتاة تطمح أن يمتد نشاطها إلي السودان لكنها وصلت فقط إلي وادي حلفا وفقط إلي الشاب عبده دهب الفتي ارتدي القميص الأخضر وتجول به في حواري وادي حلفا مبشرا بالعداء للانجليز وبنكهة الفاشية فاستدعاه الحاكم البريطاني لوادي حلفا حاول استمالته فرفض هدده فلم يرضخ طلب منه فقط أن يخلع القميص الأخضر الزي الخاص بالتنظيم شبه الفاشي لـ "مصر الفتاة" فأبي فبدأ في اضطهاده .. ولم يجد أمامه سوي أن يرحل شمالا إلي القاهرة ويحكي "بعد أن غادرت وادي حلفا اتصلت في القاهرة ببعض قادة «مصر الفتاة» وبعد فترة ولأنني نوبي وأسعي للعمل طلبوا مني أن أعمل لدي إيطاليين بهدف ايجاد علاقة مع الفاشست الإيطاليين في مصر وكانوا كثيرين جدا" وفوراً يجد عملا في حمام سباحة مملوك لأحد الإيطاليين .
الفتي النوبي ينظف الحمام ويملأه ويشتم الانجليز في كل خطوة وفي كل لحظة ويظهر في الوقت ذاته تعاطفا مع إيطاليا محاولا أن يستدرج الإيطالي صاحب الحمام ليقيم بواسطته علاقة مع الفاشست لكن صاحبه كان ويا للمصادفة شيوعيا.
ويمضي عبده دهب في حوار حميم في جلسة مسترخية ببيته فى الخرطوم (18-10-1969) متحدثا عن "ماريو" الإيطالي الذي سأله ذات يوم: لماذا انت ضد الانجليز بهذا الحماس ؟ فقال: لأنهم يحتلوننا فعاد ماريو ليسأل: ولماذا تحب إيطاليا ؟ فأجاب لتخلصنا من الانجليز "وضحك ماريو وبدأ يتحدث معي عن مغزي ومحتوي الاستعمار ومزاحمة الدول الاستعمارية بعضها البعض وعن النظام الرأسمالي الذي يتولد منه الاستعمار وإذا كان الإيطاليون يريدون طرد الانجليز من مصر فهم يريدون أن يحلوا محلهم وتدريجيا بدأ في تدريس الماركسية لي وتفتحت أمام عيني آفاق رحبة وبدأ ماريو يحدثني بانبهار عن الاتحاد السوفيتي وشاركته انبهاره" ويمضي الحوار "وفي سنة 1939 بدأت السلطات في حملة اعتقالات طالت اغلب الإيطاليين خوفا من نشاط فاشى واسع وسطهم وأتي البوليس إلي الحمام ليقبض علي ماريو وفيما أودعه همس في أذني اتصل بـ "هنري كورييل" ولم يقل لي من هو ولا كيف اتصل به فقد اخذوه بعيدا" .
ويسرح بصر عبده دهب بعيدا "ذهب ماريو وتركني وحيدا الضوء الذي غمرني به ظل يؤرقني لكنه منحني علي الاقل رفضا للفاشية فنظمت تمردا داخل "مصر الفتاة" ضد التوجهات الفاشية وتجمعت حولي مجموعة من الكوادر منهم عصام عبد المعطي وفهمي عقل وحسن كمال وأسسنا تنظيما مستقلا سميناه "كتلة الشباب المصري" واصدرنا مجلة سميناها "الجلاء" وتولي عبده دهب قيادة المجموعة لكنه لا يكاد يعرف شيئا فظل يبحث عن المعرفة، وأخذ يتجول هو وزملاؤه علي المحاضرات التي كانت تملأ مناخ القاهرة في أندية ثقافية متكاثرة وبالمصادفة قادته قدماه إلي النادي الديمقراطي حيث مناظرة بين سلامة موسي وزكي مبارك حول "المرأة المصرية والمرأة الأوروبية" وتفجر الفتي المتفجر دوما في حوار حاد جدا مع د. زكي مبارك وفيما يلملم اطراف جلبابه الأبيض همس شخص في أذنه: انت عبده دهب ؟ فقال نعم وامسك به قائلا احنا بندور عليك من زمان وباختصار جلس معه كورييل جلسة طويلة اكتشف كل منهما في الآخر كنزا فالمعرفة والنظرية عند كورييل أما عبده دهب فهو نوع من الرجال لا يتكرر كثيرا يتفجر حيوية قادر علي العمل دوما مخلص اخلاصا بلا حدود قادر علي أن يفعل أي شيء ويضحك عبده دهب قائلا "يعني زي ما بتقولوا في مصر كنت بفوت في الحديد أي مهمة ممكن انفذها فورا وعلي أحسن وجه" وعندما طلب منه كورييل أن يستأجر رخصة مجلة ذات اسم ملائم أتي في اليوم التالي برخصة مجلة اسمها ويا للدهشة ! "حرية الشعوب" والايجار جنيه ونصف الجنيه شهريا زادت جنيها عندما بدأ البوليس مضايقاته وجمعه كورييل مع نقابيين مخضرمين مثل سيد قنديل وزكي ابو الخير ثم ضم اليهم طالبا سودانيا هو محيي الدين صابر الذي اصبح فيما بعد مثقفا مرموقا وصدرت حرية الشعوب تحت شعار "مجلة مصرية سودانية عمالية ثقافية" ويمضي في حواره "كان كورييل بجلس معي علي انفراد ليدرس لي المزيد من الماركسية وليستحثني علي ضم المزيد من الاعضاء وأنا لا أهدأ وكنت كل يوم أضم عضوا جديدا علي الأقل وبسرعة أصبح عبده عضوا في اللجنة المركزية للحركة المصرية للتحرر الوطني فيؤسس بعد ذلك القسم النوبي الذي ضم زكي مراد ومبارك عبده فضل ومحمد خليل قاسم وعديدا من النوبيين والقسم السوداني الذي ضم عشرات من الكوادر التي أسست بعد ذلك الحركة السودانية للتحرر الوطني وتعرف عبده دهب إلي شاب اثيوبي اسمه ملاس بوجوتي وضمه إلي مجموعته ثم سلمه لكورييل الذي نظم له دورة تثقيف خاصة ليسافر بعدها إلي اثيوبيا فيؤسس تنظيما شيوعيا هناك .
وأقام عبده دهب علاقة وثيقة مع شاب تونسي لاجئ في مصر ويسكن في غرفة صغيرة فوق سطح منزل فقير في الفواله .. هو الحبيب بورقيبة وقدم له مساعدات عديدة بتعليمات من ح.م وبعد ذلك اصدر مجلة "أم درمان" وقد تعثر اصدار الترخيص بسبب ممانعة الامن لكن الرفيق أحمد دمرداش توني توسط عند صهره محمد بك محمود جلال الذي اقنع رئيس الوزراء حسن باشا صبري فاستدعي الباشا عبده دهب ودهش من فصاحته وحيويته ووافق قائلا: "أنا واثق من أن اسم المجلة سيكون "موسكو" وليس " أم درمان" وفيما يجلس عبده دهب علي قهوة نوبية جلس اليه محمد حسن وكان شماشرجيا بالقصر الملكي لكنه كان شخصية لامعة في عالم السياسة وقال له: "إن مجلتك تقلق جلالة الملك لأنها ترفض شعار نيل واحد ملك واحد وتطالب بالكفاح المشترك وحق تقرير المصير فإما أن تغلقها ولك مني ألفا جنيه (وهي ثروة هائلة بمعايير هذا الزمان) وإما أنني لا أضمن ألا يغتالوك" وفوجئ رواد القهوة بعبده دهب ينهال ضربا علي أشهر شخصية نوبية .. وهو يجري وخلفه عبده دهب بشتائم وضربات بالشلوت وبعدها أصدرت حكومة السودان (الانجليزية) قرارا بمنع دخول أم درمان إلي السودان ثم جاء اسماعيل صدقي باشا ليغلقها عام 1946 ويقبض علي عبده دهب ويفرج عنه ليسهم في اصدار "الجماهير" وليواصل عملا جماهيريا لا يهدأ ويقبض عليه عام 1948 ليفرج عنه حتي 1950 ولكن إلي السودان ممنوعا من دخول مصر .

مواضيع ذات صله:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق