الفاشية


رغم أن هذه الحركة المتطرفة والمتسلطة حققت إنجازات إجتماعية مؤكده إلا إنها أثارت عواطف من الرعب فى جو أوروبا مع الحرب العالمية الثانية 

لم يشهد القرن العشرين من المفاهيم السياسية ما أحاط بمثل هذا القدر من الحركات التى يتسم بعضها بالتناقض مثل ما أحاطت به الفاشية فهى لم تكن معروفة قبل الحرب العالمية الأولى ولم تظهر فى عدد من مناطق أوروبا إلا فى العشرينات وإذ كان نموها يتسم قد أتسم بالسرعة والتألق إلا أن أنتصارها بدأ مهددا منذ بداية الحرب العالمية الثانية وفى عام 1945 بعد سقوط أدولف هتلر أصبحت أخر الدول التى تتبع النظام الفاشى بدرجة أو بأخرى مثل أسبانيا تحت حكم فرانكو والبرتغال تحت حكم سالازار أصبحت مجرد بقايا من قوة عاتية لم تلبس أن أطيح بها فى كلا البلدين 
نشأت الفاشية أول ما نشأت فى إيطاليا وكان هذا التعبير اللفظى الذى ميز الحركة التى ولدت بعد عام 1918 بتوجيه من موسولينى كما أطلقت هذه التسمية على النظام الذى تولى الحكم عام 1922 .
وسرعان ما أمتد مدلول الفاشية ليشمل حركات جماعية أخرى وكان هدفها وعبر أوروبا هو إحلال الديكتاتورية الوطنية محل الديموقراطية البرلمانية والوقوف أمام تكرار تكون مجتمع شيوعى أو إشتراكى وخلق الحكومة المستبده والمؤسسة على سلطة الحزب الواحد .
  • الحل بالعنف 

ساعد على إنطلاق الفاشية بعد الحرب العالمية الأولى إتهيار العديد من الحكومات الديموقراطية البرلمانية وفى سبيل مواجهة الصراع وجدت بعض الدول نفسها مضطره لإتباع نظام السلطة التنفيذية القوية وبإستتباب السلام أمكن ملاحظة نهضه واضحة للديموقراطيات ( كان بأوروبا قبل 1914 17 ملكية و3 جمهوريات وبعد 1918 أصبح هذا العدد 13 ملكية و13 جمهورية ) ومع ذلك فقد كانت تلك النهضة وقتية ذلك لأن دولا كثيرة وجدت نفسها وقد أكتنفتها مشاكل ما بعد الحرب مضطره مره أخرى لإقامة حكومات مستبده وكان ذلك هو السبب فى أنه لم يعد لأوروبا فى عام 1939 سوى 7 ملكيات و5 جمهوريات أما باقى الدول فقد خضعت لديكتاتوريات واسعة النفوذ وحتى إن لم تكن كل الحركات الثورية المفاجئة وكل الديكتاتوريات ذات طابع فاشى معترف به إلا أنه مما لا يمكن إنكاره إن إتجهاتها المناهضة للديموقراطية وللبرلمانية يضعها فى مصاف الفاشية .
إن كل الديكتاتوريات مثلها فى ذلك كمثل الفاشية بمعناها الصحيح نجد تربية صالحة لنموها فى البلاد المتأخره صناعيا والتى تجد نفسها على شفة الحرب الأهلية غير أن ما يفصل النظم العسكرية عن الفاشية هو أن هذه الأخيرة أستطاعت أن تعتمد على تأييد جماهيرى متعصب وتجد الفاشية أنصارها بصفة خاصة فى الأوساط البرجوازية الصغرى وبين صغار التجار وفى الريف بين صغار ملاك الأراضى أى من الطبقة التى تعرف بالطبقة المتوسطة .
وعند الطرف الأخر من السلم الإجتماعى نجد أن كبار رجال الصناعة وهم يجدون أنفسهم مهددين من الأحزاب الإشتراكية والشيوعية يجدون فى الفاشية حليفا لهم بما أتسمت به من مناهضة للبولشفية ولذلك فإن الفاشية ظاهرة من ظواهر المجتمعات الآخذه فى النمو الصناعى والتقدم الرأسمالى كما أن العوامل التى تؤدى إلى الإضطرابات الإجتماعية يمكن أن تساعد على قيام حزب واحد مستبد ويبدو وكأنه القوة الوحيدة التى تستطيع فرض النظام .
ومن جهة آخرى وإلى اليسار منها تستطيع الفاشية أن تجد أحزابا إشتراكية وشيوعية منقسمة فإن السعادة التى أحست بها طبقة العمال (البروليتاريا) منذ بداية القرن بفضل ضخامة الإنتاج للمواد الإستهلاكية رخيصة الثمن أدت إلى حرمان الأحزاب العمالية بقدر كبير من قوتها كما أن الصناعات الكبرى وخاصة فى أوروبا الوسطى تتأثر كثيرا بـالأزمه الإقتصادية العالمية .
  • شبكه محكمه من الإرهاب 

إن تزعزع أحزاب اليسار و أزمة الرأسمالية وغير ذلك من الظروف تعتبر عوامل مساعدة على قيام الحكم الفاشى و فضلا عن ذلك فإن حكومات البلاد التى توشك أن تتحول إلى الفاشية تتعرض لمشاكل خطيرة وما أن تتولى الفاشية الحكم حتى تشرع فى إجرءات جذرية نشطة ذات طابع قمعى فهى تتحكم فى الصحافة والإعلام وتصبح الحياة الإقتصادية شديدة التمركز وتمتد فوق البلاد شبكه من الإرهاب تقضى على أى إتجاه معارض ولذلك فإن السيطرة الموسولينية لم تكن فى حاجة لأكثر من أربع سنوات لكى توطد أقدامها أما فى ألمانيا فإن النازية كانت أسرع .
ومن الناحية الخارجية فإن الفاشية تتبع سياسة إستعمارية تعكس طبيعة مبادئها وهكذا فإن الرغبة الجامحة التى تسيطر على الفاشية لتوسيع رقعتها على حساب الشعوب الآخرى هى التى دفعت بالألمان و الإيطاليين إلى الحرب العالمية الثانية ومن الصعب أن نحاول البحث عن نظرية سياسية مترابطة ومنطقية من خلال المبادئ الفاشية وهى من واقع عنف بلاغاتها وتطرف عقيدتها تغطى الكثير من تناقضاتها .
وعلى آية حال فمن المؤكد أن الأساسين اللذين تقوم عليهما الفاشية هما القومية والعنصرية إن عقيدة الأرض وعقيدة الجنس هما الديانة الفعلية للفاشية ومن هنا كان إتجاهما للسيطرة على كل البلاد والأجناس الأخرى على أساس أنها أقل منها مرتبة بل إن الفاشية فى داخلية بلدها تثير صراعا قاسيا ضد الأقليات العنصرية وتضطر لفرض تكافل غير مشروط بين كل الطوائف الخاضعة لها لكى تستطيع التحكم فى هذا الصراع وهنا نجد أن الإختلافات الإجتماعية التى تفصل بين المواطنين فصلا فعليا تختفى ولكن إختفاءها هذا يكون وقتيا ومصطنعا .
ويضم الجميع مجتمع يسود أفراده الكراهية ضد من ليس من جنسهم ويعيشون فى ظل قانون ثلاثى قوامه النظام والإراده والإيمان وهذا النظام الصارم الذى يستند إلى الأمر والطاعة يحل محل الحرية الفردية والفاشية تنكر المساواة الإجتماعية وتنادى بإنطواء الجميع فى طبقة صارمة والمواطنون فيما بينهم لا يعرفون سوى العلاقة بين الرئيس والمرءوس .
وإذا كانت الفاشية بمعناها الصحيح لم تنجح فى الإستقرار فى فترة ما بين الحربين إلا فى ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا إلا أننا يجب أن نتذكر أن معظم البلاد الأوروبية شهدت توالى حركات فاشية عديدة فى أراضيها وكانت تدافع بحماس عن هتلر وموسولينى وتطبق مبادئها على نفس المبادئ التى كانت سائده فى ذلك الوقت فى كل من ألمانيا وإيطاليا وقد حدثت نفس الظاهرة فى الحكومات التى وإن لم تعلن صراحة عن فاشيتها وسمحت بإقامة ديكتاتوريات من النوع العسكرى أو على الأقل من النوع المحافظ وفى هذه الحالة الأخيرة نجد أن الأحزاب الفاشية لم يكن لها سوى نفوذ جزئى ومجرد أداء مذهبى ومع ذلك فهناك العديد من الحركات الهامة .
فالتجمع الفاشى فى أسبانيا ساعد على قيام حركة فرانكو كما يجب أن نذكر أيضا الجيش الداخلى النمسوى والجبهات السويسرية وحركة كويسلنج القومية فى النرويج وملكية ديجريل فى بلجيكا وحركة موسير القومية الإشتراكية فى هولندا والإتحاد البريطانى لفاشى موزلى فى بريطانيا .
أما فى فرنسا فقد قامت حركات إتخذت كل منها أسم الرابطة وتابعت سياسة العمل الفرنسية قبل الحرب وسياسة صليب النار للكولونيل دى لاروك وفى أوروبا الشرقية والشمالية كانت أشهر الأحزاب هى حركة الأوستاتشى فى كرواتيا وحركة صلبان السهم فى المجر والحرس الحديدى فى رومانيا وحركة لابوان لوك فى فنلندا ويقابل هذا الإنتشار الفجائى للحركة الفاشية فى فترة الثلاثينات إنهيارها السريع بعد عام 1945 .
كان سقوط موسولينى ثم هتلر إيذانا بنهاية عقيده كانت تدعى أنها دمغت بطابعها جميع أنحاء العالم لمدة ألف سنة وبالرغم من ذلك فإننا لا نستطيع القول بأن الفاشية قد أندثرت ففى ألمانيا الإتحادية بعد حل حزب الرايخ الإشتراكى وبعض التجمعات الآخرى ذات الطابع اليمينى المتطرف فى عام 1964 ظهرت النازية الجديدة بظهور الحزب الديموقراطى الإشتراكى الذى يجمع بين المتعصبين اليمينيين والفاشيين .
وفى إنتخابات المجلس التشريعى للسنوات 1966 ـ 1968 وفى أحرج أوقات الأزمة الإقتصادية حصل الحزب الديموقراطى الإشتراكى على من 6 ـ 10 % من الأصوات وإن لم يستطع بعد ذلك أن يحقق نفس النسبة من النجاح .
وفى إيطاليا كان بعث الفاشية فى ظل الحركة الإشتراكية الإيطالية والتى لاقت نجاحا سريعا فى بداية السبعينات وهو نجاح لم يكن يتوطد وإيطاليا التى تسودها اليوم مقدمات ثورة أشبه بتلك المقدمات التى ساعدت على ظهور الحركة الموسولينية حققت فيها اليوم الأحزاب اليسارية نجاحا ملحوظا .
وفى فرنسا أخذت الحركات اليمينية المتطرفة تنادى بالشعارات القومية والعنصرية وفى شيلى قام جنود الجنرال بينوشيه بإغتيال ألاندى ونشروا الرعب فى البلاد وعلاوة على الهذيان الشفوى يضاف القهر البدنى والإعدام الجماعى ويتجمع الأنصار على هيئة رجال عصابات مسلحين بقيادة بعض قدامى العسكريين بمهاجمة الأفراد المنعزلين من مجموعات اليسار وينهبون المكتبات التى يرون فى نشاطها السياسى تعارضا لأفكارهم ... إلخ .
أليست كل هذه الظواهر نذيرا بخطر يجب علينا الكشف عنه .. وتداركه ؟