الحرب العالمية الثانية


حرب الباسفيك 
مره آخرى إصطدم إصرار الأفراد وشجاعتهم بالتنظيم الرائع 
خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن 20 كانت اليابان وقد إستشعرت قوتها بعد إنتصارها على الصين فى حرب 1894 ـ 1895 قد عزمت على المحافظة على ما كسبته والسيطرة على ما تبقى من آسيا وفضلا عن ذلك فإنها كانت تأمل بإقامة علاقات تجارية مع دول الغرب أن تزيد من قوتها فى مواجهة باقى دول العالم وبناء على ذلك فإن كل نزاع نشب بعد ذلك الوقت كان بمثابة مرحلة على طريق تحقيق سيادتها على آسيا الشرقية .
وعندما عقدت معاهدة بورتسموث التى وضعت حدا للحرب التى شنتها اليابان ضد روسيا من 1904 إلى 1905 حصلت اليابان على حساب الصين على جزء من سخالين وحقوق على خطوط سكك حديد مانشو ومع ذلك فإن أطماعها لم تتوقف عند هذا الحد وفى الحرب العالمية الأولى وقفت اليابان إلى جانب الحلفاء ولكنها عادت فى عام 1932 فنقضت الإتفاق البحرى الذى وقعته مع إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية فى نهاية الحرب .
وقبل ذلك بعام فى 1931 كان الهجوم اليابانى لا يزال موجها نحو الصين فأستولت اليابان على منشوريا غير أن سياستها الإستعمارية لم تكن لتقنع بأنصاف الحلول ففى الفترة من 1937 إلى 1939 غزا الجيش اليابانى نانكين ثم كنتون وأحتلهما كما أستولى على جزيرة هاينان وأخيرا فى سبتمبر 1940 وجهت اليابان أنظارها مرة آخرى نحو الغرب وفضلت الإمبراطورية اليابانية ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية ووقعت معهما حلفا ضد إنجلترا وفرنسا اللتين لم تكونا على إستعداد كافى للحرب وقد حصلت اليابان من هذا التحالف مع هتلر وموسولينى على نتائج مربحة وسريعة إذ أنها بعد هزيمة فرنسا أحتلت جزءا من الهند الصينية الفرنسية بموافقة حكومة فيشى .
  • مقدمة الحرب 
أثارت تلك الرغبة القوية فى السيطرة والتى لم تكن حتى ذلك الوقت قد لقيت سوى معارضة ضعيفة من جانب دول الغرب أثارت ضد إمبراطورية الشمس المشرقة تمردا عندما أحتلت فى يوليو 1941 باقى الهند الصينية فعندما وجدت الولايات المتحدة وبريطانيا وحكومة هولندا التى كانت فى المنفى أن مستعمراتها أصبحت مهددة قررت الإستيلاء على ناقلات الزيت المتجه نحو اليابان وقد أدى هذا الإجراء إلى توقف شحنات البترول المرسلة من بورنيو التى كانت لها مصالح حيوية مع اليابان وحاول رئيس وزراء اليابان والجنرال توجو إجراء مفاوضات فى هذا الشأن ولكن رد الرئيس روزفلت كان حاسما بقوله "طالما أن اليابان تظل محتلة الهند الصينية والصين فإن ناقلات البترول لن تصل إليها" غير أن الجنرالات اليابانيين لم يكن لديهم وقت للتردد فتحدوا محادثات واشنطن وبدأوا الحرب بقسوة وعنف محاولين محو الأسطول الأمريكى من خريطة المحيط الهادى وفى يوم السبت 6 ديسمبر 1941 وفى ليلة كان الأسطول فيها ملقيا بمراسيه أبحرت 31 قطعة بحرية يابانية متجهة نحو هونولولو مقر مركز رئاسة أسطول الولايات المتحدة وفى فجر يوم 7 أقلعت قاذفات القنابل من على سطح حاملات الطائرات وأنقضت على بيرل هاربر وفوجئت البحرية الأمريكية بهذا الهجوم ولم تستطع الدفاع وكانت كارثة فظيعة وقد عبر عنها رئيس الولايات المتحدة بقوله "إن هذا اليوم لن ينسى أحد عاره" وكان سببا فى دخول الولايات المتحدة الحرب وهنا بدأ إطلاق إسم الحرب العالمية الثانية على تلك الحرب التى بدأت فى سبتمبر 1939 .
وبدافع من هذا النجاح الأول تمكن اليابانيون من إلحاق هزيمة جديدة بالسلاح الجوى الأمريكى التابع للجنرال مارك آثر فى كلارك فيلد بالفليبين كما أن قواتهم التى أرسلت فى نفس الوقت نحو الأرخبيل تمكنت من غزو شبه جزيرة ماليزيا وهونج كونج وأكتسحت موجات النصر بعد ذلك الجنوب وأخذت المواقع الحصينة فى أرجاء الإمبراطورية الغربية تتساقط موقعا بعد آخر منكسة أعلامها أمام أعلام الشمس المشرقة المنتصرة وقد تم غزو سيام تايلاند حاليا وسنغافورة والهند الهولندية إندونيسيا حاليا وبرما وجزء كبير من غينيا الجديدة وأستولت عليها القوات اليابانية وفى أبريل 1942 وأصبحت الإمبراطورية اليابانية قوة هائلة إمتدت فى القارة الآسيوية من منشوريا إلى الهند وفى المحيط الهادى الجنوبى من جزر ألوشيان فى أقصى الغرب من غينيا الجديدة إلى شمال أستراليا .

  • منطقة الفوز المشترك 
بينما كانت الجيوش اليابانية تواصل زحفها المنتصر فى كل أرجاء آسيا أخذ القادة العسكريون اليابانيون يحاولون إقناع الشعوب المقهورة بأنهم إنما جاءوا لخلاصهم وتحريرهم من نير الغرب وأطلقوا على إمبراطوريتهم الجديدة إسم "منطقة الفوز المشترك" لأسيا الشرقية ولكنهم أغفلوا الكشف عن أن هذا الفوز إنما كان يخصهم وحدهم وسرعان ما أدرك سكان المناطق المغلوبة حقيقة الأمر وأن الوعود التى قدمتها طوكيو وحلمها بالعظمة الأيديولوجية كان يكذبها العنف الذى لم يسبق له مثيل وقسوة جنود الإحتلال وكانت نتيجة هذه الإجراءات الحمقاء والقاسية أن تكونت فى البلاد المقهورة أنوية حقيقية للمقاومة تشبه تلك التى تكونت فى أوروبا تحت الإحتلال الألمانى وهنا أيضا كان لهذه الأنوية دورها فى هزيمة الغازى .
تجمعت القوات الأمريكية بقيادة الجنرال ماك آثر فى أستراليا وعززت بالرجال والعتاد وأخذت تستعد لشن هجوم مضاد أرادوا له أن يكون حاسما وفى 3 يونيه 1942 وفى أثناء معركة ميدواى واجه اليابانيون أول هزيمة لهم وكانت خسائرهم فادحة شملت غرق أربع حاملات طائرات وطرادين نتيجة لهجوم الطيران الأمريكى وفى نفس الوقت الذى واجهت فيه اليابان هذا الفشل كانت تواجه هزيمة فى هجوم قامت به ضد الأستراليين على الساحل الشمالى لغينيا الجديدة وقد نجح المشاة الأمريكيون من جانبهم وبعد شهور عديدة فى معارك دامية فى هزيمة الجيوش اليابانية فى جوادالكنال بجزر سليمان وبإستغلال نجاحهم فى تك القاعدة الجوية نجحوا فى حرمان العدو من موقع إستراتيجى ممتاز .
إن هذه المعارك فى الغابات الآسيوية لم تكن تمت بصله كبيرة للحرب التقليدية التى كانت تجرى فى أوروبا فلم تكن القوات المحاربة هنا على شيئ من الضخامة تعززها المدرعات تواجه بعضها بعضا فى معارك عظيمة ولكنها كانت قوات قليلة العدد نزلت على جزيرة وأخذت تقاتل العدو وجها لوجه وهكذا تمكن الحلفاء فى مناطق موبوءة بالملاريا إبتداء من عام 1942 وإلى عام 1944 شبرا فشبرا من تحرير جزر سليمان وغينيا الجديدة ومناطق آخرى أكثر أهمية مثل جزر جلبرت وماريان وهى التى تسيطر على بداية الطريق إلى الفليبين .

  • إنتحار جيش 
دارت آخر معركة بحرية فى حرب الفليبين والحرب العالمية الثانية فى أكتوبر 1944 فى خليج ليت وعندما أدرك اليابانيون أنهم أقل عددا أغاروا مرة آخرى وبجرأة غير عادية على الأسطول الأمريكى وكانت البطولات المستميتة للطيارين اليابانيين سببا فى قلق العالم وكانت عملية إنتحارية لم يسبق لإتساعها مثيل وكان الكاميكاز ( الصاعقة السماوية ) متعصبين معظمهم من الشباب ينقضون بالمئات فوق أهدافهم بطائراتهم المحملة بالمفرقعات ولكن بالرغم من شجاعتهم المثالية وبالرغم من التدريب على القتال للأسطول والطيران اليابانيين فإن إنتصار خليج ليت كان فى جانب الأمريكيين بلا منازع وبعد أن فقد الأسطول الإمبراطورى أربع حاملات طائرات وثلاث مدرعات من بينها المدرعة الجبارة موزاشى حمولة 64000 طن وعشرة طرادات بعد 80 عاما من النشاط المنتصر وجد نفسه مبادا وأضطر للإنسحاب وفى يوليو 1945 حررت الفليبين تماما وأصبح الطريق إلى اليابان مفتوحا .
لقد تم قهر جيش قوامه 450000 مقاتل وتدمير ثلاثة أرباع السلاح الجوى ولم تعد اليابان تسيطر على سماء إمبراطورية الشمس المشرقة ولم تعد طوكيو وناجويا وكوبا وأوزاكا تتمتع بأى دفاع وأصبحت معرضة للهجمات الجوية التى كانت تنقض عليها بالقاذفات "ب 29" الأمريكية ومنذ شهر فبراير 1945 تم الإستيلاء على جزيرة أبو جيما الواقعة على بعد 1300 كم من اليابان والتى كان اليابانيون يستخدمونها حتى ذلك الوقت لمراقبة الأجواء وفى شهر يونيه سقطت أوكيناوا التى تبعد بمسافة ساعة جوا عن طوكيو بعد أن ظلت تقاوم شهرين ضد القوات المشتركة من البحرية والجيش الأمريكى .
وفى جنوب شرقى آسيا نجح البريطانيون بقيادة اللورد مونتباتن فى أقل من عام وبمساعدة الجنرال الصينى شانج كاى شيك فى فتح طريق بورما وبالرغم من الخسائر الجسيمة التى منيت بها اليابان فإنها لم تعترف بالهزيمة وفى 28 يوليو أعلنت أنها لا تبالى بتهديدات "الإبادة الكاملة" التى كانت تهددها بها الولايات المتحدة وبريطانيا قبل ذلك بيومين فى بوتسدام وكان الحلفاء يقدرون ولهم كل الحق فى ذلك أن غزوا يشنونه على اليابان سوف يستغرق أسابيع من القتال وفقد آلاف عديدة من الرجال ولذلك فقد أختاروا حلا جذريا وإن كان فظيعا فلقد أسقطوا يوم 6 أغسطس 1945 أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما وبعد ذلك بيومين أسقطوا القنبلة الثانية فدمروا ناجازاكى وهنا كان الفزع والقلق يمزقان الشعب اليابانى قبل أن يثيرا بعد ذلك بوقت طويل سخط العالم كله .
ورغبة من الإمبراطور هيروهيتو فى تجنب ما هو أسوأ فضلا عن أن الروس فى نفس الوقت كانوا قد إكتسحوا منشوريا فقد أعلن يوم 15 أغسطس على شعبه الرازح تحت وطأة الكارثة إستسلام بلاده بقوله "لقد قررنا أن نفتح أمام الأجيال القادمة الطريق إلى عهد سلمى عظيم بقبولنا لما لا يمكن قبوله وتحملنا ما لا يمكن تحمله" وفى يوم 2 سبتمبر 1945 على ظهر المدرعة ميسورى وقع المندوبون اليابانيون إقرار هزيمتهم وأخذت الإمبراطورية المتكبرة تستعد لتضميد جراحها وتنتهى الحرب وتبدأ عواقب الحرب العالمية الثانية .

مواضيع ذات صله: