إن هذا النقاش الفاشل الذى أراد أن يبسط سيطرة الحزب النازى لمدة ألف عام قد غمر ألمانيا فى حمام من الدماء والدموع والفزع
فمن كان أدولف هتلر ؟
إنه بالتأكيد شخصية معقدة عنيف وفى ذات الوقت لبق صادق مخادع مباشر ملتوى وعلى الإجمال فإنه مصاب بداء عقدة العظمة ومتعصب ومجرد من العبقرية الحقيقية
فمن أين أمكن لهذا الرجل أن يبرز ذات يوم ويظهر كالملاك الأسود ؟
- النقاش الفاشل
ولد هتلر يوم 20 أبريل سنة 1889 فى براوناو سور لين وهى مدينة نمسوية صغيرة وقد فقد أباه وكان هذا موظفا صغيرا فى الجمارك عندما كان فى 14 من عمره والتحق بالمدرسة الثانوية فى لينز وقطع دراسته فى 18 فقد كان غير بارز فى دراسته بحجة أنه يشعر بميل فنى وقد فشل فى الإلتحاق بأكاديمية الفنون الجميلة فى فيينا لسقوطه فى إمتحان القبول ثم حاول مره آخرى بدون أن ينجح الإلتحاق بمدرسة الهندسة وفى عام 1908 وكان أبواه قد توفيا لم يعد له شيئ يربطه فأستقر فى فيينا حيث ظل إلى شهر مايو 1913 وخلال كل هذه الأعوام أمضى حياة غامضة لم لم يتفق عليها الذين سمعوا له لقلة الوثائق عنها ويعتقد بعض هؤلاء المؤرخين أنه عاش خاملا وهو يحاول أن يبيع لوحاته ويقول بعضهم الآخر إنه كان يحصل على دخل بسيط ورثه عن والديه وهناك بعض ثالث يقول إن ملاجئ الليل كانت هى ملاذه الوحيد أما هتلر نفسه فيقول وفقا لما كتبه فى كتابه "كفاحى" إنه كان يقتسم وقته قسمة عادلة بين نشاطه كرسام وبين دراسة الفلسفة .
إن شوبنهاور ونيتشه من بين المؤلفين المفضلين لديه غير أنه وياللعجب فإن الذين أثروا فيه طوال حياته هما إثنان من المفكرين الأجانب أحدهما الكونت جوبينو الفرنسى والثانى هوستون شمبرلين الإنجليزى وأول هذين الرجلين هو مؤلف كتاب "بحث فى عدم المساواة بين الأجناس الإنسانية" 1855 الذى يقرر فيه نوعا من التدرج الطبقى للأجناس وأثبت كما يقول بالتاريخ وعلم أصول الإنسان وفقه اللغة أن أنبل هذه الأجناس هو الجنس الألمانى الأصيل الأشقر ذو الرأس المستطيل وثانى الرجلين وضع كتابا فى عام 1899 فى أسس القرن 19 يؤكد فيه تفوق الشعوب الشابه وقد تشبع أدولف هتلر بهذه النظريات إنه يحلم بعالم يستعبده محاربون ذو وجوه مليحه وشقر لهم رءوس مستطيلة وفى عام 1913 قرر فجأة أن يقيم فى ميونيخ إذ أن النمسا فى رأيه قد أفسدها اليهود والسلاف ومن ناحية آخرى كانت السلطات النمسوية تبحث عنه لكى تجعله يؤدى الخدمة العسكرية وقد رفض أداء هذه الخدمة وتمكن من جعلهم يسرحونه وفى عاصمة بافاريا عاش هتلر حياة فقيرة وعمل نقاشا فى البناء لكن الحرب العالمية الأولى إنفجرت فلم يتردد فى الإنخراط فى صفوف الجيش الألمانى على حين أنه كان يستطيع إعفاء نفسه من ذلك .
- ظهور الهتلرية
ليس هناك من جدال فى أن هتلر جندى شجاع فلقد جرح مرتين فى الجبهة الغربية أى فى فرنسا ورقى إلى رتبة العريف ومنح وسام الصليب الحديدى من الطبقة الأولى وهو تقدير نادر لمثل هذه الرتبة البسيطة ومع ذلك ورغم قيمته كمقاتل ورغم تعليمه فإنه لك يستطيع أن يصل إلى رتبة الضباط ولا صف الضباط وفى أواخر عام 1918 كانت الهزيمة فعاد العريف هتلر إلى ميونيخ وقلبه مشحون بالغضب وكان حاقدا على المهزومين والمنتصرين على السواء وكان يرى أن المسئولين إنما هم اليهود وأحزاب اليسار وهنا أعتقد أن القدر قد إختاره فأنطلق بكل كيانه وروحه يخوض عالم السياسة وفى عام 1919 إنضم إلى حزب العمال الألمانى وهو حزب وطنى وسرعان ما تولى قيادته وحوله إلى الحزب الوطنى الإشتراكى الألمانى وفى عام 1921 أنشأ فصائل الهجوم التى أصبح عدد أعضائها فى بافاريا بعد عام واحد 6000 رجل وفى عام 1923 وعندما دخلت القوات الفرنسية إقليم الرور إعتقد أنه بلغ من القوة حدا جعله يحاول القيام بإنقلاب فى إقليم بافاريا بمعاونة الجنرال لودندورف وهذا هو "إنقلاب ميونيخ" لكن هذا الإنقلاب فشل وأعتقل هتلر وحكم عليه بالسجن خمسة أعوام إلا أنهم أفرجوا عنه بعد 13 شهرا وكان قد إنتهز هذه الفرصة لكى يملى على رفيقه رودولف هيس الجزء الأول من كتابه "كفاحى" وهذا الكتاب الذى يعرض فيه أفكاره وهو على نحو ما نبوءه لما سيحدث .
- الإستيلاء على السلطة
لقد كان جنود العاصفة "الحرس الأسود" الذى أنشأه هتلر عام 1925 هم الحرس الخاص له وبفضل هؤلاء ومعهم ذو القمصان البنية والحزب النازى كما كان يسمى وقتئذ إستطاع هتلر السيطرة على الشارع فلقد أصبح العنف هو سياسته والإرهاب قانونه وإلى جانب ذلك كان هتلر يجد التأييد لدى ألفريد هوجنبرج مدير مصانع كروب القوية والمساهم الأول فى الصحف الألمانية وكان الرأى العام مما يسهل تسميمه إذ كانت ألمانيا منذ عام 1929 قد أصابتها الأزمة الإقتصادية العالمية نتيجة لوفرة الإنتاج وكانت هذه الأزمة لها أكثر صعوبة من تلك الفقرات الإقتصادية الحمقاء التى وردت فى معاهدة فرساى وساعدت على تقويض ماليتها التى كانت قد زعزعتها الحرب وفى عام 1923 وصل عدد العمال المتعطلين إلى 6 ملايين شخص وهو ما يعادل ثلث عدد العاملين ومنذ ذلك الوقت توالت الأحداث فى سرعة كبيرة إذ وقف هتلر أمام هندنبورج فى إنتخابات الرئاسة وهزم فيها ولكنه تسلح بالنجاح النسبى الذى أحرزه حزبه ولم يتردد فى المطالبة بالسلطة وبفضل المقاعد التى حصل عليها النازيون فى الرايخستاج ونتيجة لخمول المعتدلين فقد عين أدولف هتلر مستشارا للرايخ يوم 30 يناير 1933 وكان الذى عينه هو هندنبورج نفسه .
ولكى يؤمن النازيون مملكتهم فإنهم لم يتراجعوا أمام أى شيئ فلقد نسبوا حريق الرايخستاج المدبر إلى الشيوعيين وسرعان ما تم حلهم أما التعطل فهم أمتصوه بفضل الصناعات الحربية وبالنسبة للمعارضة فلقد وضعوهم فى المعسكرات وأخيرا وفى ليلة 30 يونيه 1934 تخلص هتلر من آخر الرجال الذين كانوا يثيرون قلقه وهم الكابتن روهم رئيس فرق القمصان البنية وهيئة قيادته وعدد آخر قتلوا جميعا إنها ليلة "السكاكين الطويلة" وعندما توفى المارشال هندنبورج رئيس الجمهورية يوم 2 أغسطس 1934 أمكن لهتلر أن يركز بموجب القانون كافة السلطات فى يديه وكان غزو أوروبا منذ زمن طويل أمرا مقررا وقد تم هذا الغزو بعد ذلك بأحد عشر عاما فى أحد مخابئ برلين التى تحولت إلى خرائب وجثث متفحمة أمكن التعرف عليها بصعوبة .
فمن كان أدولف هتلر ؟
إنه رجل سيطرت عليه فكرة غير سويه ما فى ذلك شك كانت قدرته على الكلام وجاذبيته وسحره على الجماهير شيئا لا ينكر إلا أن خطبه تكن ذات معنى ولا تتضمن فكرة واحدة لقد حرص وهو البرجوازى الصغير فى أعماقه على أن يجعل علاقته بإيفا براون علاقة شرعية فتزوجها قبل أن ينتحر لقد كان قاسيا إلى حد التلذذ بتعذيب الغير فبعد محاولة الإعتداء على حياته التى وقعت يوم 20 يوليو 1944 أثناء ما عرف بإسم "مؤامرة الضباط" أصدر أوامره بأن يتم تصوير إعدام الذين إشتركوا مع شتاوفنبرج لكى يستمتع وهو جالس فى مقعده بمشاهدة آخر إنتفاضة لهم وهم يشنقون ولو لم تكن هناك تلك الظروف الإستثنائية لكان قد ظل فى أغلب الظن رئيسا عاديا لذلك الحزب أو على الأرجح نقاشا فاشلا .
أما الشعب الألمانى الذى كان يزعم أنه يريد له الهناء فإنه جعله يتعرض لمصير مشئوم لا يمكن أن يقارن بشيئ فى تاريخ الأمم .
مواضيع ذات صله:
- وثائقى ابكاليس
- الحرب العالمية الثانية