إذا كان قانون محاربة الإتحادات الإحتكارية يحظر كل إحتكار رأسمالى .. أفلا تعتبر شركات السيطرة هدفا يسعى إليه أصحاب المشروعات الكبيرة ؟
عندما تذكر كلمة "شركة قابضة" أو كلمة "الإتحاد الإحتكارى" (التراست) يتجه تفكيرنا فى التو إلى شبكة من الصفقات والعمليات المصرفية والمضاربات فى البورصة وغير ذلك من العمليات المعروفة جيدا فى الأوساط الإقتصادية وإن كانت فى بعض الأحيان تبدو مضللة بالنسبة للشخص العادى والواقع أن الشركة القابضة والتى تعرف أيضا بأسم شركات المشاركة تتكون من تنظيمات ليس فيها شيئ من الغرابة أو على الأقل ليست أكثر مما فى الإتحادات الإحتكارية بالرغم من أن هذه التسمية تبدو مبهمة فى بعض الأوساط فى هذا العالم الإقتصادى الشاسع وتبدو كأنها تضم عددا من الدلالات المتباينة .
وبهذه المناسبة يجدر بنا أن نلاحظ أن هذه المفاهيم الإقتصادية ليست وليدة اليوم فمنذ بداية الحضارة تكونت مجموعات كانت تقوم بنشاط إقتصادى يهدف إلى تخطى أنشطة الغير وكانت معروفة فى أوساط العشائر أو المجموعات الأسرية المتقدمة وفى العصور الوسطى كانت الإتحادات تتكون من هيئات مغلقة وفى كل مجال من مجالات الإقتصاد الحرفى كانت تشرف على تنظيم إستخدام المساعدين وأصحاب العمل كما كانت تشارك فى الأسواق كما يجب أن نلاحظ أن فكرة تدخل السلطة الحاكمة فى شئون هذه التجمعات بقصد الرقابة كانت هى الآخرى فكرة بالغة القدم .
- الشركات القابضة
الشركة القابضة مشروع مالى يستثمر أموالا ويعمل على هيئة إتحاد أعلى وهذا الإتحاد يملك أو على الأقل يسيطر على أسهم وسندات شركة أو عدة شركات وفى نفس الوقت ينطبق هذا الإصطلاح عادة على الشركة التى تملك حصة أو تفويضا فى شركة آخرى بنسبة تكفى لكى تكون لها السيطرة الكاملة على هذه الأخيرة وهذا المضمون للشركة القابضة نشأ أو ما نشأ فى الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن القول بأنه أتخذ شكله المميز خلال عام 1888 فى ولاية نيوجرسى بعد أن تمت مراجعة القوانين العامة والخاصة بإمكان تكوين إتحاد بين عدة شركات تجارية وذلك بهدف التصريح لمثل هذا النوع من المشروعات بإقتناء أو الإحتفاظ بسندات شركة أو عدة شركات آخرى أصغر منه وهكذا أصبح من السهل نسبيا على جماعة ما أن تنتظم على هيئة شركة قابضة وأن تسيطر بطريقة مؤثرة على عدة شركات مستقلة .
- أنشطة الشركات القابضة
وجرت العادة بألا تشترك الشركة القابضة فى أى نشاط تجارى أو صناعى بل تظل شركة مالية بحتة رأسمالها موزع بين موارد الشركات الصغرى التى تمتلكها والشركة التى ليس لها نشاط خاص بها بل تكتفى بإدارة نشاط الشركات التابعة لها تعرف بأسم الشركة القابضة البحتة وتعرف الشركة المسئولة عن الإدارة بأسم الشركة الأم والجزء الأكبر من أصول الشركات القابضة يتكون من أسهم الشركات الفرعية التى تستمد منها إيراداتها وفى بعض الحالات يكون للشركة القابضة هى الآخرى أنشطة إنتاجية بالرغم من أن هذه الأنشطة تظل دائما قليلة الأهمية وفى هذه الحالة تعرف الشركة بأسم شركة قابضة مختلطة أو منتجة .
- التنظيم
تنتظم الشركات القابضة عادة على شكل هرمى فكل من الشركات المالية لها سيطرة على الشركة أو الشركات الأدنى منها مباشرة وعلى ذلك فإن الشركة القابضة ذات رأس المال القليل نسبيا تستطيع أن تسيطر على مجموعة من الشركات الآخرى يزيد مجموع رؤوس أموالها زيادة كبيرة على ما تمتلكه هى ومن الأمثلة الجيدة على ذلك ما فعله هوارد هوبسون فى عام 1930 فيما قيمته 100.000 دولار فقط من الأسهم وتفويض فى عدد من الشركات فقد تمكن من السيطرة على مجموعة شركات الغاز والكهرباء التى كان مجموع رؤوس أموالها أكثر من ألف مليون دولار .
ومن جهة آخرى فإن رأس المال فى الشركة القابضة يمكن زيادته بإصدار سندات وحصص بدون حق فى إصدار القرارات أو بأية وسيلة مشاركة آخرى فى رأس المال الوارد من الخارج والذى لا يتيح لصاحبه الحق فى مزاولة نفوذ فى الشركة المديرة وفى هذا النوع من التركيز نجد أن كل الشركات التى تديرها الشركة القابضة أو بعبارة أصح الشركة الأم أو التى تتبعها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تكون مستقلة تماما فيما بينها ولنذكر مثلا على ذلك مجموعة برانتام بريزونيك التى تجاوزت منذ سنوات عديدة حدود الأستثمار المباشرة وأصبحت الآن الشركة الأم لسلسلة من الشركات التابعة يبلغ عددها 110 شركة .
- تدخل الحكومة
ظهرت الشركات القابضة بعد إختفاء الإتحادات الإحتكارية وترجع هذه الظاهرة أساسا ألى التشريعات وبصفة خاصة القوانين المضادة لتلك الإتحادات التى صدرت أولا فى الولايات المتحدة والشركة القابضة ذاتها يمكن أن تتعرض للمقاضاة إذا كان الهدف منها القضاء على المنافسة أو خلق الإحتكار ولذلك فإن فرنسا قد حددت ما يعرف بالقانون العرفى عام 1970 وهو أشبه بلائحة واجبة الإحترام وإلا تعرض المخالف لها لعقوبات شديدة ومن جهة آخرى فإن قانون الشركات الصادر فى 24 يوليو 1966 فى نفس البلد يفرض على ممثلى الشركات القابضة أن يخطروا المساهمين بحيازة شركات آخرى وكذلك بالنتائج المالية للشركات الخاضعة أو التابعة لها وبذلك تصبح السياسة المالية للمشروعات معروفة وخاضعة للرقابة الدقيقة .
- الإتحاد الإحتكارى (التراست)
كان التراست فى بداية نشأته فى مجال التاريخ الإقتصادى نظاما تتفق بموجبه عدة شركات تزاول نفس النشاط التجارى على توحيد أنشطتها فى سبيل المصلحة المشتركة وبهذه الطريقة كانت تلك الشركات تعمل على إزالة متاعب المنافسة وذلك بالسيطرة على إنتاج مواردها الغذائية وموازنة أسعارها المشتركة وتثبيتها ولكنها فى نفس الوقت كانت تحتفظ بشخصياتها الفردية دون أن يكون هناك إندماج أو تكتل فيما بينها أما اليوم فالتراست يدل على منظمة لها من القدرة ما يمكنها من تكوين إحتكار فى قصاع أو أكثر من قطاعات النشاط مما يتيح لها إمكانية تحديد الأسعار للمنتجات الغذائية وتنظيم عملية توزيعها وبذلك تتدخل فى مبدأ حرية المنافسة .
- تنظيم التراست
من المعتاد أن تقوم الشركات المجتمعة على هيئة تراست بتكوين لجنة إدارة تختص بإتخاذ القرارات وتتكون هذه اللجنة فى معظم الأحوال من رؤساء مجالس الإدارات أو المديرين العموميين لكل من الشركات الداخلة فى الإتحاد وعندئذ تقوم هذه الشركات بنقل الجزء الأكبر من أموال كل شركة إلى هؤلاء الأفراد ويحصل المساهمون على شهادات تخولهم الحق فى صرف الأرباح وإن كانت سلطة التصويت وقفا على المديرين ويسمح لهم هذا النظام بأختيار كل المديرين فى كافة الشركات الأعضاء وعن طريقهم يستطيعونأختيار كافة الموظفين وهم بذلك يملكون نفوذا وسلطات مطلقة على تصرفات كل شركة من هذه الشركات وعلى العمليات التى تقوم بها وذلك بقصد الإحتفاظ بالإحتكار التام للفرع من التجارة أو الصناعة التى تزاوله والمحافظة عليه دوما .
والتراست كما عرفناه فيما سبق أى بوصفه منظمة تكوينية أصبح اليوم نادرا بل هو يكاد يختفى عمليا ويرجع ذلك إلى أنه ترك مكانه للشركات القابضة وللتنظيمات الآخرى وإن كانت كلمة تراست ما تزال تستخدم للدلالة على كل شكل من أشكال تجمع الشركات .
- تاريخه
كانت أولى المحاولات فى سبيل تكوين الشركات التجارية تستند إلى إتفاقيات شفوية ثم بدأت تظهر تجمعات فعلية للمنتجين ولاقت الشركات المتجمعة نجاحا عظيما لدرجة مكنتها من رفع أسعارها وتحقيق أرباح طائلة من وراء هذا الإحتكار مما شجع المشروعات الآخرى على محاكاتها ولذا فنحن نعرف اليوم أن مبدأ التراست مبدأ قديم ومع ذلك فإن أولها وأشهرها هو التراست الذى كونه فى عام 1870 أحد شركاء جون د. روكفلر فقامت شركة ستاندارد أويل المملوكة له بتطبيق الفكرة ولكن بطريقة جديدة تماما .
قام روكفلر فى ظل تشريعات ولاية أوهايو بشراء كافة أسهم 40 شركة من شركات البترول وأنشأ إحتكارا فى الصناعة البترولية وقد تبين أن هذا الطراز ذو فائدة عظيمة وأنه يشكل وسيلة فعالة لتركيز السيطرة على صناعة ما بأكملها لدرجة إحتكارية للسيطرة على إنتاج التبغ والسكر والويسكى وزيوت القطن والكتان والرصاص ولكن الشركات التى لم تكن مشتركة فى مثل هذه الإتحادات سرعان ما أبدت تذمرها كما تضرر منها الأشخاص الذين تأثروا وأضيروا من هذه التنظيمات .
- الصراع ضد الإتحادات الإحتكارية
وأخيرا تبين أن هذا النوع من التنظيمات التجارية تفتقد الأمانة وسرعان ما تعالت أصوات المعارضة لوجودها وقد أسفرت هذه المعارضة عن إصدار قانون شرمان فى عام 1890 المضاد للتراست ولعله كان القانون الذى أثار أكبر قدر من الجدل فى تاريخ الولايات المتحدة وقد نص القانون على أن "كل شخص يقوم بإحتكار أو يحاول إحتكارا أو الإنضمام لشخص آخر أو مجموعة أشخاص بغرض فرض إحتكار على أى نوع من فروع التجارة فى الولايات المتحدة الأمريكية أو فى أية دولة أجنبية يعتبر مرتكبا لجريمة يعاقب عليها" وبفضل هذا القانون نجد أن الشركات التى تتجمع اليوم على هيئة تراست تفعل ذلك لأغراض فنية أو إنتاجية أو مالية بحته وأصبحت الإتحادات الإحتكارية اليوم نادرة الوجود .
- الكارتل
الكارتل أو الإتفاق بين الشركات وهو الشكل الأوروبى للتراست نشأ ما نشأ فى ألمانيا وهو على شكلين هم :
الكارتل الرأسى
وفيه يتفق المشروع وموردوه وموزعوه بهدف السيطرة على قطاع من قطاعات المنتجات الإستهلاكية أو مواد الإنتاج إبتداء من نقطة البداية فى الإنتاج إلى المرحلة الأخيرة منه
الكارتل الأفقى
وفيه يتجمع رجال فرع واحد من فروع الصناعة لإنتاج جماعى أو إستخدام نفس الآلات وهذه الإتفاقات الرأسية والأفقية تظل معظم الوقت إتفاقات جزئية ففى فرنسا عقدت مصانع سيارات بيجو وسيتروين إتفاقا على إنتاج وأستخدام بعض الأجزاء المشتركة .
غير أنه ليس من النادر أن نقابل وضعا من أوضاع الإحتكار ولذلك وفيما يختص بأوروبا أبرمت معاهدة روما التى أنشئت بمقتضاها السوق المشتركة فى عام 1957 وأهتمت بإطلاق الحرية أمام المنافسة ووضعت قائمة بأنواع الإتفاقات التى أعتبرتها ضارة ومن جهة آخرى يجدر بنا أن نلاحظ فى الختام أن القوانين المضادة للتراست ما تزال سارية المفعول وهذا هو السبب فى أن التجمعات الكبرى تفضل الإلتجاء إلى تنظيم آخر من نوع شركات السيطرة تكون له صبغة مالية أساسا .