نفس طيبة شغوفه بالحرية وبطل ثورتين أم هو خائن لطائفته ولملكه ثم للجمهورية ؟
مارى جوزيف بول إيف روش جلبرت موتييه مركيز لافاييت بارون دى فيساك وأمير سان رامان ولد يوم 6 سبتمبر 1757 بقصر شافا نياك فى ضيعة أسرته بأوفرينا كان الأرستقراطى الشاب يوزع وقته بين القنص والفروسية وقد أستدعاه جده ركيز دى لاريفيير إلى باريس وقدمه لأفراد الطبقة الأرستقراطية الكبرى وفى كلية بليسس تعلم اللاتينية والبلاغة والتاريخ والمبارزة وبعد أن فقد والدته فى 12 أبريل 1770 وجده وورث ثروة طائلة إلتحق لافاييت الشاب بالمدرسة الحربية فى فرساى وفى عام 1773 وقد بلغ 17 من عمره تزوج من الإبنة الثانية لجان فرانسوا دى نواى دوق إيين وفيما بعد دوق دى نواى .
وفى تلك الفترة كان يتردد على البلاط وقد ساعدته هذه التجربة على إدراك الأمور فكانت الخزائن الملكية قد خوت والناس يموتون جوعا فى حين كانت ثروات الأفراد المتميزين تتضخم وقد تركت قراءته لكتاب "العقد الإجتماعى" لمؤلفه جان جاك روسو أثرا عميقا على الشاب وأخذ يناقش نصوصه مع أصدقائه ووجد الشجاعة فى معارضة أخى الملك الكونت دى بروفانس وهنا رأى البلاط أن إبعاد الشاب عن باريس قد يغير من أفكاره فأبعدوه إلى حامية فى ميتز .
- الهجوم على الإنجليز
وصلت أخبار ثورة المستعمرات الأمريكية ضد السيطرة الإنجليزية إلى فرنسا فى عام 1776 وقد توجه بنيامين فرانكلين وسيلاس دين إلى باريس كوزيرين مفوضين بهدف التأكد من معاونة الفرنسيين المناصرين لثورة سكان المستعمرات الأمريكية بعضهم مدفوعون بالشعور بالعداء نحو إنجلترا وبعضهم الآخر بميولهم المناهضة للملكية وللإستبداد ولم يتردد لافاييت فى طلب الإنضمام برتبة جنرال إلى الجيش الأمريكى وأجيب إلى طلبه ولكن الملك حظر عليه السفر وهدده بالسجن بيد أن تصميمه على إثبات أنه جندى وعدو للإستبداد دفعه إلى أن يكترى سفينة أبحر بها إلى أمريكا ووصل إلى فيلادلفيا فى صيف 1777 وطلب إيفاده إلى خط النار ولما واجه طلبه هذا إعتراضا فى بادئ الأمر غير الكونجرس رأيه فجأه وعمل لافاييت مساعدا لجورج واشنطن فى عام 1778 وحارب على رأس قوات فرجينيا وقد دلل على شجاعته فى معركة برانديوين وبعد أن جرح وأحرز النصر أكتسب صداقة جورج واشنطن الذى إعتبره منذ ذلك الوقت كإبن له .
وفى هذه الأثناء وبعد هزيمة بورجونى فى ساراتوجا عقدت فرنسا محالفة مع أمريكا وفى شهر فبراير 1779 عاد لافاييت إلى فرنسا وأصبح بطلا فى بلاط لويس السادس عشر كما كان كذلك فى أمريكا وبناء على طلبه أوفد الملك حملة حربية وقد كلف لافاييت قيادة أحد الجيوش وفى فرجينيا قاوم هجوما شنه الإنجليز المتفوقون فى العدد ثم أشترك فى حصار يوركتاون وهى المعركة النهائية فى الحرب التى توجت بهزيمة البريطانيين وتحقيق أستقلال أمريكا إلا أن لافاييت لم يقنع بما أحرزه من أكاليل النصر فقد كانت أفكاره نحو الحرية والمساواة وهى التى حارب من أجلها فى أمريكا تدفعه إلى نشرها فى فرنسا وقد تكون فى البلاط حزب أمريكى من بعض النبلاء الشبان المعادين للجزويت (اليسوعيين) والإستبداد وقد أعتبر الجميع لافاييت زعيما لهم .
وبعد رحلة أخيرة ناجحة فى أمريكا عاد إلى فرنسا ليرأس "أكاديمية الأعيان" فى عام 1786 والتى لعب فيها دورا بارزا وبعد أن طالب بإلغاء بعض الضرائب وبحرية الضمير فى معاملة البروتستانت طالب بدعوة الجمعية العمومية وقد ظل منهاجه حتى 10 أغسطس 1791 هو الثقة والإخلاص للويس السادس عشر والرغبة فى إقرار الحرية الدستورية فى فرنسا ومن على منبر الجمعية الوطنية يوم 11 يوليو 1789 قدم لافاييت "إعلانا بحقوق الإنسان مستلهما من إعلان جيفرسون وطبعه ووزعه فى الطرقات وأصبح مثارا للمناقشة والتعليق وهنا هدد الملك الجمعية الوطنية بإستخدام الجيش وصوبت جميع مدافع الباستيل تلك القلعة الملكية نحو الباريسيين وفى يوم 14 يوليو نجحت الثورة فى الإستيلاء على الباستيل فلقد تمكن 954 باريسيا مسلحين تسليحا رديئا من إقتحام الحصن بعد قتال دام أربع ساعات وقد أعلن لافاييت أن مواطنى باريس قد أحرزوا الحرية وأن الملك قد أقر الأمر الواقع وبعد ذلك بيومين وتحت حراسة 2000 من جنود لافاييت توجه الملك إلى العاصمة وقد قدم له لافاييت شعار مثلث الألوان شعار الحرس الوطنى وفيه تقترن ألوان المدينة الأحمر والأزرق بلون آل بوربون .
ولكن لافاييت السيد التحررى العظيم ظل طوال حياته مخلصا للملكية وقد حاول أن يصلح ما بين البلاط والجمعية الوطنية وعندما نشبت الثورة الفرنسية وجد نفسه فى مركز بالغ الحرج لقد حافظ على سلامة الأسرة المالكة التى لاذت بفرساى وأوقف الثوار الذين هاجموا القصر ثم نظم ترتيبات إقامة الملك فى باريس وفى 18 أبريل 1790 سهل إنتقاله إلى قصر سان كلود وأخيرا فى شهر يونية كان هروب الأسرة المالكة وهنا أتهم لافاييت الذى كان مكلفا بحراسة الملك وفى 17 يوليو 1791 وقع حادث إطلاق النار فى شان دى مارس لقد عبر جمع من الأهالى المسالمين منصة مبنى الحرية لكى يوقعوا على مظلمة يطالبون فيها عزل لويس السادس عشر عن العرش فورا وكان إكتشاف وجود شخصين مختبئين تحت المنصة سببا فى إشاعة الذعر فأعلنت الأحكام العرفية وأحاط الحرس الوطنى بالميدان ثم أنطلق عيار نارى قاصدا لافاييت ولما كان الحرس الوطنى فى حالة إرهاق فقد أخذ يطلق النار وسالت الدماء وفى 8 أكتوبر طلب لافاييت إجازة من الحرس الوطنى الذى كان هو مؤسسه والذى أصبح نواة للجيش الوطنى
- يعارض كل ديكتاتورية
فى عام 1792 كان واضحا أن غزوا نمساويا بات متوقعا وقد أسندت قيادة الجيش الجمهورى الأوسط إلى لافاييت وتولى اليعاقبة الحكم وأعترض لافاييت على إيقاف الملك لويس السادس عشر وعندئذ صدر مرسوم بإتهامه فما كان منه إلا أن هجر الجيش يوم 19 أغسطس 1792 ووقع أسيرا فى يد النمساويين ولم يفرج عنه إلا بعد موقعة ليوبن يوم 19 سبتمبر 1797 وهنا بدأ صراع قدر له أن يدوم 15 عاما بين بونابرت الحائز على كل السلطات ولافاييت بطل الحرية الذى لا يكل وبعد أن رفض منصب عضو بمجلس الشيوخ وآخر كسفير لدى الولايات المتحدة الأمريكية أعتزل الحياة العامة وأقام بأملاك الأسرة وكان مما قاله لافاييت "إذا كان بونابرت قد أراد خدمة الحرية لأخلصت له إنه من المستحيل تأييد حكومة وقتية" وعندما أعيدت الملكية أول مرة عرض لافاييت شعار مثلث الألوان على لويس الثامن عشر ورفضه لويس ثم جاءت حرب المائة يوم وأنتخب لافاييت نائبا وأصر على عدم إخضاع المجلس لنفوذ نابليون وبعد موقعة ووترلو أعتزل فى أملاكه بجرانج بلينو ولكن عندما حدثت مناقشة قانون الإنتخاب عاد إلى المجلس يوم 22 مارس 1819 وعندما أنضم إلى جمعية "الكاربونارى" أتهم بالإشتراك فى مؤامرة بلفور ديسمبر 1821 كان يستقطب آمال جميع الفرنسيين المتعطشين للحرية ثم دعاه الرئيس الأمريكى جيمس مونرو ورحبت به 24 ولاية ترحيبها بالأبطال ومنح الجنسية الأمريكية وفى أثناء غيابه تولى شارل العاشر العرش خلفا للويس الثامن عشر وفى 27 يوليو 1830 أنتخب لافاييت نائبا عن دائرة مو فعاد إلى باريس للإشتراك فى الثورة وقد عين قائدا للحرس الوطنى وهو على مبدأ التحررية وإن ظل ملكيا ففضل عودة لويس فيليب دورليان على إمكانية النظام الجمهورى ولم يقف تقدم السن حائلا دون الجنرال والإستمرار فى نشاطه .
كان بطلا لتحرير الشعوب المضطهدة اليونان وبلجيكا فحارب فى المجلس السياسة الملكية التى قامت فى شهر يوليو لأنها لم تكن بدرجة كافية من مناصرة الحرية وفى 20 مايو 1834 وافته منيته فى باريس وقد بلغ 77 من عمره وقد إشترك فى تشييع جنازته 3000 جندى من الحرس الوطنى تكريما لقائدهم السابق وقرر الكونجرس الأمريكى الحداد 30 يوما كما قرر أن يكون هو الوحيد الذى يمنح نفس التكريم الذى منح لجورج واشنطن قبل ذلك ببعض الوقت .