واجبات المواطن وحقوقه

ألا بحق لنا أن نتساءل عن فائدة حقوق المواطن فى الوقت الذى نجد فيه أن الأمر دائما وفى كل مكان يفرض ثقله وأصوله على القانون 

"هيا قم بواجبك وأدل بصوتك" 
إن هذه العبارة القصيرة التى لابد أن تكون قد سمعتها تمثل وحدها تاريخا طويلا والواقع أن الإدلاء بالصوت لكى يصبح حقا ثم واجبا كان على الإنسان أن ينتقل أولا من صفة التبعيه إلى صفة المواطن وإذا كانت أولا صفات التابع هى الطاعة فأن صفة المواطن هى التقرير والعمل .
إن كل مواطن إنسان وكل إنسان يتبع من حيث المبدأ بلدا ما ولذلك فإنه من الصعوبة بما كان الفصل بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن وإذا كانت عملية التصويت أو الترشيح تبدو لنا من الحقوق الأساسية التى يستطيع كل إنسان أن يزاولها فإن هناك مجالات أخرى عديدة تعترف بحرية الإختيار فهناك مثلا حرية التعبير وحرية العقيدة وحرية الصحافة وأخيرا فإن بعض الحريات الفردية تحظى بالتقديس طبقا لنصوص مكتوبة أو طبقا للعرف ومنها حق الإنتقال وحق حماية المسكن والحياة الخاصة .
وهناك مجموعة أخرى كبيرة من الواجبات المحدده فالمواطن ملزم بواجب الإخلاص والطاعة لوطنه وبتأدية الخدمة العسكرية والإنتظام فى دفع الضرائب . 
  • من الرعيه إلى المواطن 
إذا كان النفوذ الملكى فى أوروبا قرب نهاية العصور الوسطى ظل قويا فى الأرياف إلا أن المدن حفلت بطبقة جديدة كاملة من الأفراد الذين تحرروا تماما من واجباتهم نحو الوالى وأخذوا يطالبون بعدد من الحقوق .
وفى بلاد عديدة كان الصراع فى سبيل حصول الأفراد على حق التمتع ببعض الحقوق الأساسية وصراعا فى نفس الوقت بين الديموقراطية والنظام الملكى وفى فرنسا كانت ثورة 1789 بإعلانها لحقوق الإنسان قد وضعت الأساس لمبادئ خالدة حلت محل مبادئ النظام القديم .
  • إعلان حقوق الإنسان والثورة الفرنسية 
يرتبط إعلان حقوق الإنسان بالثورة الفرنسية إرتباطا وثيقا والواقع أن كلا من هما كان وليد أزمه سياسية وإجتماعية أثارتها مفاسد النظام الملكى الذى كان يتميز بالسيطرة الكاملة والغاشمة لكل من الشعب وكان رد الفعل الذى أحدثته الثورة هو التشجيع على مشاركة مجموع الشعب فى الحكم وقد جاء نص هذا البرنامج فى مقدمة الدستور عام 1791 متضمنا حقوق الإنسان أو حقوق الأفراد وهو الذى ترجع فكرته إلى الجمعية العمومية التى طلبت فى 6 يوليو 1789 تشكيل لجنة للدستور وقد قدمت عدة إقتراحات للإعلان كان من بينها إقتراح لافاييت وفى 4 أغسطس شكلت لجنه جديده من 5 أعضاء كان المتحدث بأسمها هو ميرابو وفى 26 أغسطس 1789 تم التصويت النهائى على المقترحات وقد تصدرت الدستور الذى وضع فى 3 سبتمبر سنة 1791 سبعة عشرة  مادة شملت موضوع الإعلان ورغم التعديلات العديدة التى أدخلت عليه وقد بلغت مواده فى عام 1793 ثلاثين مادة فقد ظل بدون تغيير يذكر من حيث الجوهر إلى أن كان دستور عام 1958 فعززه ومما لا شك فيه أن هذا العمل الثورى لا يمكن إنكار إرتباطه بالحركة الفلسفية فى القرن 18 والتى كان رائدها جان جاك روسو .
هذا وقد سبق لبلاد أخرى أن عرفت مثل هذا الإعلان فالإعلان الإنجليزى فى حقوق الإنسان يرجع إلى عام 1689 وإعلان إستقلال الولايات المتحدة الأمريكية يرجع إلى عام 1776 ومع ذلك فإن أكثر هذا النوع من الوثائق التاريخية هو الإعلان الذى أصدرته منظمة الأمم المتحده فى 10 ديسمبر 1948 .
وفيما يختص بنصوص هذه الوثائق التاريخية نجد أن ممثلى الشعب الفرنسى المتجمعين على هيئة جمعية عمومية وطنية يقررون أن الأسباب الوحيده لشقاء الشعوب وفساد الحكومات هى تجاهل أو نسيان حقوق الإنسان أو الإستهانه بها ولذلك فقد قرروا إصدار تصريح جوهرى يستعرض الحقوق الطبيعية والمقدسة للإنسان وبذلك نجد أنفسنا أمام لو صح التعبير وثيقة ميلاد المواطن العصرى الذى يجمع بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن وقد نصت المادة الأولى من هذا الإعلان على أن الأفراد يولدون ويظلون أحرارا ومتساوين فى الحقوق وهذه الحقوق الطبيعية والدائمة هى الحرية والأمن والملكية ومقاومة الظلم وهى حقوق لا تسقط بمرور الزمن أى أنه ما من قوة فى العالم تستطيع إلغاءها وهى حقوق طبيعية من حيث أن كل فرد يحصل عليها مع ولادته .
إن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أصدرته منظمة الأمم المتحده والذى وضعت نصوصه فى عام 1948 فى أعقاب حرب كانت أهم وأشرس ما عرفه تاريخ الحروب يشبه فى كثير من نقاطه الإعلان الفرنسى فقد جاء فى مقدمته أنه بإعتبار أن الإعتراف بالكرامة الملازمة لكل أعضاء الأسرة الإنسانية وبحقوقهم المتساوية والتى لا تمس هو أساس الحرية والعدل والسلام فى العالم .
وإذا لاحظنا أنه منذ عام 1948 نشبت حروب عديده زعزعت من أمن آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط لأدركنا فى الحال أن النصوص والقوانين لا تكفى وحدها لضمان السلام والعدالة والحرية بل يجب علاوه على ذلك أن يسعى البشر أنفسهم للتعاون فيما بينهم والتعايش على أساس الإحترام المتبادل لشخصية كل فرد .
  • حقوق المواطن وحرياته 
وهذه يمكن تقسيمها إلى مجموعتين الحقوق والحريات التى تتصل بالفرد كفرد وتلك التى تتعرض بالمجموع والتفرقة بين المجموعتين ليست قاطعة .
فالمجموعة الأولى مثلا تشمل حق التملك وحرية مزاولة أى نوع من أنواع التجارة بشرط أن تكون شرعية وحرية الفرد فى الإنتقال والسفر والإستقرار حسب مشيئته وكذلك حمايته ضد الحبس التعسفى أو الإعتقال دون سند قانونى كان يمكن ندخل فى هذه المجموعة الحق فى التعليم الحر وهو فى واقع الأمر حق مبدئى والحقيقة أن التعليم يمكن أن توفره مؤسسات مختلفة ولكنها يجب أن تلتزم ببعض المعايير التى تحددها الدولة ويقترب هذا الحق من حق الحرية العقيدية التى تقضى بأن كل فرد حر فى إختيار دينه وبحرية الرأى التى تكفل لكل فرد حرية التفكير بعيدا عن كل سياسة تنتهجها الدولة .
إن هذه الحقوق تختلف فى بلد عنها فى بلد آخر وأن بعضها قد لا يوجد أصلا فى بعض البلاد ومن ذلك أن النظم الإشتراكية تتغافل عن حق الملكية الفرديه لصالح الملكية الجماعية وأخيرا فإنه من الصعوبة الممكنه أن نضع بيانا كاملا بكل حقوق المواطن فى كل أنحاء العالم إذ أنها فى بعض البلاد ينص عليها فى هيئة قوانيين فى حين أنها فى بلاد أخرى يتضمنها مبدأ عام أو تظل بعيده عن كل نص مكتوب ففى إنجلترا مثلا يقوم العرف فى أغلب الأحوال مقام النصوص .
أما الحقوق والحريات التى تمس المجتمع فى مجموعه أو فى بعض أجزائه فمن الأفضل وضعها فى مجموعة أخرى فهناك أولا حق الإنتخاب وهو مبدأ شبه عام تتأسس عليه معظم النظم السياسية الحديثة وهو فى معظم الأحوال مرتبط بحق المواطن فى ترشيح نفسه ليكون عضوا فى المجالس البلديه أو فى البرلمان أو ليكون رئيسا للجمهورية .
تأتى بعد ذلك حرية الإجتماع  وهى التى تجيز للمواطنين الإجتماع لتبادل الأفكار وهذه الحرية تكمل الحرية السابقة فالمواطنون يستطيعون الإشتراك فى تكوين حركة ما وإن كانت هذه الحرية قد ظلت لفترة طويلة خاضعة للقيود إذ أنه يخشى دائما من إستغلال أعداء الحرية لهذا الحق لظلم الفرد ولذلك فإننا نجد حاليا عددا من القوانين التى تحدد نظام الإجتماعات فتلك التى تهدف مثلا لتغيير نظام الحكم بالقوة تحظر حظرا تاما ومن جهه أخرى فهناك العديد من التجمعات التى لا يقتصر هدفها على النواحى السياسية مثل جمعيات حماية البيئة أو رعاية كبار السن ولجان الدفاع عن اللغة القومية ... إلخ .
وحرية الصحافة تعطى للفرد أو للمجموعات الحق فى التعبير عن الأفكار التى يؤمنون بها عن طريق الصحف وهنا أيضا تخضع هذه الحرية لعدد من القواعد أو من القوانيين تختلف من بلد إلى أخر ومن جهة أخرى فهناك رقابة ذاتية تجعل الصحف فى نهاية الأمر لا تنشر ما يقدم لها فهناك من الأفكار ما لا يجوز تشجيعه كتلك الفكرة التى تنادى بقتل نصف المسجونين كحل لمشكلة تكدس السجون ومع ذلك فهناك بعض الصحف التى لا تتورع عن بث الأفكار المسمومه داعية إلى نشر البغضاء أو حرمان أعدائها من حقوقهم فى الحريات وهى ظاهرة تثير أمامنا مشكلة غاية فى الصعوبة وهى مدى الحرية التى يمكن أن نخولها لأعداء الحرية كما يجب أن نشير إلى أن حرية الصحافة أصبحت اليوم مما يسرى على الإذاعة والتليفزيون وعندما تكثر محطات أو قنوات الإرسال فإن المشكلة تكون أقل تعقيدا ذلك لأن تعدد مصادر الإرسال يساعد على زيادة الموضوعية كما أنها تساعد على تعدد الآراء وفى الحالات التى تفرض فيها الدولة رقابة شديدة على الإذاعة والتليفزيون يصبح من الصعب تحديد سياسة إعلامية تمثل كافة الميول وهنا نجد أنفسنا أمام مشكلة لم نصل بعد إلى حل لها وتجرى مناقشتها فى كثير من المجالات ومهما يكن من أمر فإن وجهات النظر فيما يختص بالآراء السياسية تكاد تجمع على تخصيص وقت محدد للأحزاب للتعبير عن آرائها وبصفة خاصه فى فترة الأنتخابات .
وقبل أن نختم هذا العرض يجب ألا ننسى الإشاره لحق أخير يستخدم كثيرا فى البلاد الصناعية وهو حق الإضراب وهو حق يمكن إستخدامه بالنسبة لمجموع العاملين فى بلد ما أو لجزء منهم فقط .
  • واجبات المواطن 
فيما عدا إلتزام كل مواطن بإحترام القوانين الساريه فى بلده فإننا نستطيع أن نجد تشابها كبيرا بين مختلف الإلتزامات التى تحدد واجبات المواطنين وليس المجال مجال تعدادها كلها لذلك فسنكتفى بالإشارة إلى أهمها :
كل مواطن مسئول عن سلوكه إزاء بلده: فلا يجب عليه أن يتسبب فى إلحاق الضرر به بأن يقدم لأعدائه وثائق سرية أو أن يؤيد سياسة قد تؤدى إلى دماره والخيانة تلقى دائما عقابا صارما سواء أكان المذنب مدنيا أم عسكريا .
الخدمة العسكرية: كل مواطن ملزم بالمشاركة فى الدفاع عن بلده غير أن هذا الإلتزام قد يتخذ مظاهر عده فهو فى بعض الحالات يقتضى فترة طالت أو قصرت يتشكل فيها الجندى وفى حالات آخرى يتم تشكيل الجندى على فترات قصيرة تتخلل حياة المواطن دون أن يتطلب الأمر خدمة متصلة ومكلفة .
وفى بعض البلاد الأخرى يمكن أن تقوم الخدمة المدنية مقام الخدمة العسكرية وفى هذه الحالة لا يحمل الجندى الشاب السلاح لكنه يسهم فى أنشطة تفيد المجتمع أو يقدم العون للبلاد التى تفتقر إليه وتلك هى الطريقة التعاونية فيما يختص بالتعليم والمساعدات الفنية وغيرها مما تستفيد منها بلاد كثيرة .
وأخيرا فقد تكون الخدمة العسكرية كما هى الحال فى إنجلترا غير إجبارية وفى هذه الحالة يصبح هناك جيش مهنى وتسمح هذه الطريقة للذين يلتحقون بالجيش أن يتعلموا مهنه مثل عامل رادار أو ملاح جوى ... إلخ وأن يتناولوا راتبا أسخى مما يقدم عادة فى الجيش الذى تكون الخدمة فيه إجبارية .
الإلتزام الضريبى: إن الحكومة لكى تلبى الإحتياجات العامة للمجتمع من التعليم والدفاع والأمن الإجتماعى ... إلخ تحتاج لفرض ضرائب محددة على أرباح رعاياها وبهذه الطريقة يستطيع كل مواطن شريف أن يؤدى ما عليه من إلتزام ضريبى والضرائب عادة تحددها قوانين يقرها البرلمان وفى البلاد المتقدمة سياسيا تعتبر الضرائب تنظيما ضروريا يجرى تنفيذه بزيادة الشريحة الضريبية على الأغنياء والأفراد الذين يتقاضون مرتبات عالية وذلك بهدف تقريب الفروق بين الدخول .
واجبات مدنية آخرى: سبق أن أشرنا إلى واجب التصويت الذى يعتبر من الحقوق وكذلك من الواجبات التى يمكن التنصل منها غير أن هناك واجبات أخرى من نفس المستوى لا يمكن التنصل منها دون الوقوع تحت طائلة القانون ولكنها ضرورية لأى إنسان مثل النشاط فى الجامعة والحزبى والإشتراك فى النوادى والنقابات هذه النشاطات على المستوى العام أما على المستوى الخاص فهناك مجالات كثيرة لا يمكن إهمالها مثل القراءة الإهتمام بالفنون والرياضة ... إلخ .
  • خاتمة 
من الواضح أن هذا التحليل لا يلم بكل أطراف الموضوع ففى البلاد الإشتراكية بأوروبا الشرقية مثلا نجد أن الإطار الذى يشمل حقوق المواطن وواجباته يختلف بعض الإختلاف عن ذلك المستخدم فى الديموقراطيات الغربية ومن جهه آخرى فالبلاد الشيوعية لا تزال تنتقد النظام الرأسمالى الذى وإن كان قد شرع القوانين السخية إلا أنه لا يتردد فى تجاهلها عندما يجدها تتعارض مع مصالحه الخاصة ويظل الجواب على ذلك من جانب النظم الغربية أن الحرية الشخصية فى الإتحاد السوفييتى والبلاد التى تدور فى فلكه كانت دائما معرضه للتهديد .
ولسنا فى حاجة للحديث عن الديكتاتوريات وهى التى تعمل بإسم الجمهورية أو الديموقراطية على تحديد أو إلغاء مختلف حقوق المواطنين ولا يسعنا إلا الإلتزام بما يبدو لنا أنه من المستلزمات العامة على المستوى العالمى دون التقيد بأشكال الحكم ويبدو لنا أن الصراع فى سبيل توطيد حق التعليم أو حق التعبير هو أقوى صراع فى هذا المجال وهو عادة مرتبط بإرادة إقامة عدالة إنسانية على أساس المساواه بين الجميع وفى نفس الوقت فإننا اليوم نواجه أن كل فرد يتطلع إلى العمل وتوافر المسكن المناسب والأجر العادل والأسعار الرخيصة والمواصلات الأدميه غير أن ذلك يعنى أننا أغفلنا نقطة أخيرة وهى نقطة بالغة الأهمية تلك هى حق المشاركة فالإنسان لم يعد يقبل أن يكون خاضعا لنظم إقتصادية يضه أساسها حكام فنيون متسلطون بل يريد أن يشارك وعلى جميع المستويات فى القرارات وفى الأفعال ولذلك فإن فكرة الديموقراطية تتخذ أبعادا تمتد من المجال السياسى إلى المجال الإقتصادى والإجتماعى ولا شك فى أن هذا الإتجاه نحو المشاركة ليس سهلا ومع ذلك فقد بدأ فى تطبيقه فعلا فى كثير من البلدان التى أرادت الآن أن تنتزع حقوقها أخيرا مثل تونس ومصر ولعل هذا وحده هو الذى يمثل الآمال فى القرن الواحد والعشرين .