أحد عمالقة النصر فى الحرب العالمية الثانية توفى وهو فى قمة إنتصاراته دون أن تدركه مرارة الغد
هل كان رجل دولة كاملا أم رجل دسائس شديد البراعة ؟
هل كان خارجا عن طبقته أم باعثا للرأسمالية الأمريكية ؟
هل كان مفرطا فى المصالح الحيوية للغرب بتأثير من هارى هوبكنز فى طهران ثم فى يالتا عندما قسم العالم طبقا لوجهة نظر ستالين أم أن ذلك كان كرما منه ؟
- السنوات الذهبية
1882 وعلى طول نهر الهدسون على بعد 120 كم من نيويورك تقع قرية صغيرة فى قلب منطقة تناثرت فيها الملكيات الكبيرة تلك هى هايدبارك وفى أحد قصورها الفخمة ذات الطراز الفكتورى وفى يوم 30 يناير 1882 وضعت سارا روزفلت المولودة بإسم ديلانو وزوجة جيمس روزفلت طفلا تم تعميده فى أقرب كنيسة أنجيليكية بأسم فرانكلين لم تتميز فترة الطفولة ولا فترة المراهقة لهذا الشاب بميزة غير عادية وكان مثله كمثل كل شباب الطبقة الراقية فى وادى الهدسون قد إلتحق بكلية هارفارد بعد أن أتم دراسته فى مدرسة جروتون الإعدادية وبعد أن حصل على الدبلوم إلتحق بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا وفى عام 1905 وقد بلغ 23 تزوج من إليانور روزفلت وهى إبنة عم بعيد له وكان من بين كبار المعوين لحفل الزواج رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه تيودور روزفلت .
تأثر فرانكلين الشاب بهذا العم وسرعان ما أبدى إهتماما قويا بفنون السياسة أكثر من إهتمامه بالحقوق وفى عام 1910 قرر أن يجرب حظه فى هذا المجال فرشح نفسه لإنتخابات مجلش الشيوخ عن ولاية نيويورك وكانت تلك تجربة حاسمة إذ أن تلك الدائرة لم يرشح فيها ديموقراطى منذ سنوات عديدة وكان المرشح الشاب خطيبا مفوها فضلا عن براعته فى الحوار مع رجل الشارع وكان الإتصال الذى أجراه مع الناخبين سريعا ومؤثرا وقد نجح روزفلت فى الإنتخابات بل وأعيد إنتخابه بعد ذلك ببضع سنوات وفى عام 1913 تولى وودورو ولسن الديموقراطى الجنوبى رئاسة الولايات المتحدة وسرعان ما قرب إليه عضو الشيوخ الشاب فرانكلين روزفلت وأسند إليه منصب وكيل وزارة البحرية وإبتداء من ذلك التاريخ بدا وكأن مستقبل هذا الشاب كرئيس قد خطط وفى عام 1920 كان يبدو أنه المرشح المثالى لمنصب نائب الرئيس ولكن الحظ خانه إذ أن زميله جيمس م . كوكس كان يفتقد المهارة السياسية فضلا عن أن سياسة الرئيس وودرو ولسن فى ذلك الوقت تعرضت لهجمات عنيفة وأخيرا فاز المرشح الجمهورى وارن هاردنج بأغلبية لم يسبق لها مثيل وكان هذا الفشل الأول إيذانا بمصير أكثر قسوة قدر لروزفلت أن يواجهه .
- من السنوات الحالكة إلى النصر
كان روزفلت بما إتسم به من قوة وحيوية وخلق رياضى يبدو وكأنه قوة من قوى الطبيعة ولكن وللأسف حدث فى صيف 1921 فى منزل الأسرة بجزيرة كامبوبيللو أن أصيب الشاب بمرض لا يرحم هو مرض شلل الأطفال وكان فيروس المرض قد أصابه وهو يستحم فى النهر وكانت النتيجة أن فقد القدرة على إستخدام ساقيه بقية حياته ورغم هذا العجز والقعود بعد تلك الكارثة لم يفقد روزفلت إهتمامه بالسياسة وفى عام 1928 أيد ترشيح ألفريد أ .سميث الكاثوليكى للرئاسة وفى نفس السنه أونتخب حاكما لنيويورك وأعيد إنتخابه بعد ذلك بسنتين ثم كانت الأزمة الإقتصادية العالمية فى عام 1929 والأزمة الطاحنة التى إجتاحت الولايات المتحدة هى التى أوصلت روزفلت إلى أعلى المناصب كان الموقف الخطير الذى تمر به البلاد سببا فى فقد الحكومة الجمهورية لشعبيتها وكانت أمريكا تريد رئيسا جديدا قادرا على حل المشاكل الخطيرة التى كانت قائمة فى ذلك الوقت وفى عام 1932 فاز فرانكلين روزفلت فى إنتخابات الرئاسة وأصبح الرئيس 32 للولايات المتحدة .
الخطة الجديدة كان ذلك هو التعبير الذى له وقع السحر الذى أطلقه روزفلت على برنامجه بمجرد توليه زمام الحكم والواقع أن "الخطة الجديدة" كانت تتضمن سياسة جديدة بالغة الفاعلية قدم الرئيس الجديد من خلالها حلولا جذرية لمختلف الأزمات التى كانت تشل أمريكا وكان روزفلت قد أحاط نفسه بنخبة من المستشارين على درجة فائقة من الذكاء والكفاءة وأخذ يصلح من الموقف تدريجيا وفى خضم الإضطراب والفوضى التى كانت سمة ذلك العصر إستطاع روزفلت أن يحتفظ بإتزانه وكان سياسيا بارعا نجح فى كسب التأييد لبرنامجه فى مختلف الإتجاهات ما بين كبار رجال الصناعة ورؤساء النقابات ولقد قدر لهذا التحالف الذى كان أشبه بإتحاد مقدس أن يدوم قرابة 79 سنة وفى عام 1936 أحرز روزفلت إنتصارا من أعظم إنتصاراته الإنتخابية إذ أعيد إنتخابه فى جميع الولايات بأستثناء ولايتين وهى نتيجة لم يحققها سوى ريتشارد نيكسون فى عام 1972 .
- على رأس القوات المتحالفة
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية كان روزفلت من الأمريكيين القلائل الذين لم يفاجأوا بتلك الحرب العالمية والواقع أنه لم يكف منذ سنوات سبقت عن تحذير الكونجرس الإنعزالى من خطر الحرب ولكن نداءاته اليائسة لم تلقى صدى بل إن رجال البرلمان رفضوا الموافقة على طلبه إنشاء حاملة طائرات إضافية للأسطول الأمريكى الذى كانت كفاءته آخذه فى التناقص أما الرسائل التى كان يبعث بها لخصومه المستقبليين هتلر واليابانيين فقد كان مصيرها الإهمال عادة وكان لابد من الإنتظار حتى يتم التدفق النازى فى عام 1940 لكى تستيقظ الضمائر ومرة ثالثة تقدم روزفلت لإنتخابات الرئاسة وهى سابقة كانت الأولى من نوعها وللمرة الثالثة أيضا يعاد إنتخابه وبإنهزام فرنسا والوضع الخطير الذى كانت فيه إنجلترا كان روزفلت يدرك أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تظل بعيدة عن الصراع وكان ذلك هو السبب الذى جعله فى عام 1940 يعين إثنين من الجمهوريين فى مناصب رئيسية فى حكومته ثم كان الإعتداء على بيرل هاربر فى ديسمبر 1941 نقطة تحول حاسمة فقد كان اليابانيون المتحالفون مع ألمانيا وإيطاليا والذين أوشك إقتصادهم بل وحياتهم نفسها على الإنهيار بسبب الحصار الذى فرض على المواد الأولية عام 1939 قد هاجموا الأسطول الأمريكى فى المحيط الهادى فى محاولة لفك ذلك الحصار .
وهنا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على اليابان فى حين أعلنت ألمانيا وإيطاليا وقوفها إلى جانب اليابان وسرعان ما تبوأ روزفلت الزعامة الحربية وكانت الدلالة على هذا التحول الجذرى أن صورة روزفلت وهو فى عربة سكة حديدية متجهة نحو مؤتمر إستراتيجى كانت هى صورة فترة الرئاسة الرابعة وبتعيين روزفلت جنرالا ثم أمير بحر وجد نفسه طيلة فترة الحرب على رأس المجهود الحربى للحلفاء كان يجد تشجيعا من تشرشل ولكن ستالين وديجول لم يكونا يحبانه بينما كان هو لا يعيرهما إهتماما ومع ذلك فلم تكن العداوة المقنعة من جانب زعيم الكرملين كما لم تكن عاهته ولا تقدمه فى السن ولا صحته المتأخرة مما أضعف من حيويته كان يتنقل إلى ما وراء البحار من الدار البيضاء إلى طهران أكثر مما فعله أى رئيس سابق للولايات المتحدة وفى ذلك الوقت إنتشرت إشاعات مزعجة عن حالته الصحية وفى 12 أبريل 1945 وفى وورم سبرنجز بولاية جورجيا حيث كان قد ذهب للإستجمام شكا الرئيس الأمريكى من صداع فظيع كان ذلك نزيفا فى المخ لم يلبث أن قضى عليه وقد حزنت عليه أمريكا بأسرها ولكن فرانكلين دخل حيا فى أسطورة عظماء الرؤساء الذين حكموا الولايات المتحدة قبل أن يدخل التاريخ ولم يمضى على وفاته إلا أقل من شهر حتى توفى هتلر وأستسلم الرايخ الثالث .