الثورة الفرنسية


1789 : عالم جديد 
فى خلال عامين إنهار النظام القديم إذ إكتسحته الدولة والقانون ورغم الأعداء فى الداخل وتهديدات البلاد المجاورة 
فإن الثورة الفرنسية لم تعد قادرة على أن تتوقف 
  • من 14 يوليو إلى ليلة 4 أغسطس 
فى يوم 17 يونيو 1789 حل فى البلدية الثورية الجديدة محل شيخ التجار فى باريس وهو دى فليسيل الذى قتل يوم 14 عمدة أختير فى شخص دى بايلى وعند ذلك إتخذت الميليشيا البرجوازية الخاصة به إسم الحرس الوطنى وأنتخبت لافاييت رئيسا لها وخضع لويس السادس عشر أمام إرادة الشعب وأستدعى نيكر وأصدر كذلك أمرا إلى القوات السويسرية والألمانية بمغادرة معسكرات مارس وبناء على دعوة من بايلى بادر الملك بالتوجه إلى دار البلدية وأخذ يرتقى درجات السلم تحت قبة من الصلب تكونت من سيوف النبلاء وعندما أصبح فى القاعة الكبرى راح يصغى إلى الخطاب الممل الذى يلقيه بايلى ويتناول فيه التغييرات التى حدثت فى الأيام الأخيرة ثم تلقى بعد ذلك الشارة الوطنية المثلثة الألوان التى حلت محل ألوان العاصمة البيضاء رمز الملكية ويقول بعضهم إن هذه الشارة قد وضعها لافاييت وزين لويس السادس عشر قيمته بها دليلا على المصالحة وتطلع من النافذة على الجماهير التى أخذت تهتف له وعاد عقب ذلك إلى فرساى بعد أن وافق الشعب على الألوان الثلاثة .
ولم يستطع الملك إلا أن يشهد رحيل شقيقه الأصغر الكونت دارتوا وإبن عمه الأمير دى كونديه وأسرة بولينياك وسوف يصبح هؤلاء مع آخرين غيرهم أوائل المهاجرين من أعضاء الثورة المضادة الذين كانوا يتمنون سحق هذه الإنتفاضة مثلما سحقت إنتفاضات هولندا وجنوا وبلجيكا والواقع أن الريف حذا حذو باريس فى إنتخاب بلدياته وفى إنشاء الحرس الوطنى فيه وراح الفلاحون الذين كانوا شديدى التأثر بالجو الحماسى وبالشائعات المختلفة وعصابات اللصوص يتسلحون ويشكلون نوعا من التمرد الزراعى وقد نهبوا القصور والكنائس وأشعلوا النار فى المحفوظات وبصفة خاصة فى الوثائق الإقطاعية التى تربطهم بالسادة وأنتشر "الخوف الأكبر" وردت البرجوازية بأن دفعت بقواتها الخاصة للدفاع عن حقوق الملكية التى أصبحت مهددة من جانب هؤلاء الفلاحين الثائرين .
وأتخذت الجمعية الوطنية أهبتها لتهدئة هذا التمرد وإعادة النظام وفى خلال إحدى المناقشات التى جرت ليلة 4 أغسطس تقدم الدوق إيجويلون والفيكونت نواى والفيكونت بوهارنيه بمشروع قرار يتضمن من ناحية إقتراحا بإلغاء الإمتيازات الشخصية أو الإقليمية "السادة بصفة خاصة" ومن ناحية آخرى إمكان إستعادة الحقوق على الأرض وألغيت أعمال السخرة وحقوق الصيد والسلطة القضائية التابعة للسادة وتخلى النبلاء عن المعاشات التى يدفعها لهم التاج فيما عدا الأعباء المدنية والعسكرية كما قبلوا دفع الضرائب وألغيت العشور التى كانت تدفع للكنيسة وفى حماس إقترعت الجمعية الوطنية على تحويل المجتمع الإقطاعى إلى مجتمع فيه جميع الفرنسيين متساويين أمام القانون وكانت المراسيم الخاصة بذلك ستصدر يومى 5 و11 أغسطس إلا أن الفلاحين لم يكونوا مع ذلك راضين لأن الأرض ستفلت منهم لقد كان النظام القديم للموظفين الملكيين آخذا فى الإنهيار أمام إرادة السيادة لدى الذين إنتخبتهم الأمه .
  • أيام أكتوبر 
ومضت الجمعية التأسيسية فى عملها التشريعى فوافقت يوم 26 أغسطس على 15 مادة من بيان حقوق الإنسان والمواطن الذى قدمه سييز ووعد الملك بقبوله فمنحوه لقب "الرجل الذى أعاد الحرية الفرنسية" وقد نشأت مشادة سياسية وتطورت عندما طرحت مسألة الشكل الذى ستتخذه السلطة التشريعية مجلس واحد أم مجلسان وقد عارض الملكيون الوطنيين وأتهم الشعب مارى أنطوانيت بأنها تسيئ تقديم المشورة إلى لويس السادس عشر وأطلق عليها إسم "مدام معارضة" وقد حرضت هى الملك على الذهاب إلى ميتز حيث يتولى المركيز دى بويليه قيادة القوات الموالية وأستقدمت إلى فرساى لواء الفلاندرز وقد دعى ضباط هذا اللواء إلى مائدة الحرس الملكى وفى نهاية الحفل تقدمت الأسرة المالكة وسط التصفيق والهتاف وديست الشارة المثلثة الألوان بالأقدام .
وتدهورت الأوضاع الإقتصادية فكان هناك نقص فى المواد الغذائية كما إنتشرت البطالة فى باريس بصفة خاصة ولم تتحقق إيرادات الدولة التى توقعها نيكى وراحت الصحافة التى أصبحت حرة نتيجة للمادة 11 من بيان حقوق الإنسان تنشر أنباء الحفل الملكى مما أثار غضب أهل باريس وفى يوم 5 أكتوبر إستجاب آلاف المتظاهرين لنداء نساء الهلال وبلدة سانت أنطوان ولقد كان العنصر النسائى أغلبية ويقال إنهن كن 15000 امرأه وجاءت الفرقة المسلحة بالرماح والمدافع إلى فرساى بقيادة المحضر مايار وهاجمت القصر ولحق بها الحرس الوطنى التابع للافاييت لتجنب ما هو أسوأ وقد قتل إثنان من حرس القصر وعلقت رأساهما على الرماح .
وقبل لويس السادس عشر أن يستقبل وفدا من النساء وعده بإقرار مراسيم الجمعية الوطنية التى مازالت معلقة ثم أعاد لواء الفلاندرز إلى رامبوييه ولم يبقى سوى 30 من حراس القصر لحماية الملك وأسرته وخلال الليل إجتاحت الجماهير القصر صائحة "الموت للنمسوية" ولجأت الملكة إلى غرفة زوجها ونصح لافاييت الملك بأن يظهر للجماهير التى تطالب بعودته إلى باريس وفى فوضى لا توصف سار الموكب الملكى حتى قصر التويليرى وسط الجماهير الصاخبة ورافقه لافاييت ممتطيا جواده إلى جانب عربة الملك مجردا سيفه وللمره الأولى منذ عام 1682 عاد البلاط ليقيم فى قصر التويليرى وقد أبدى الباريسيون الذين جاءوا بالخباز وزوجته وخادمهما الصغير بهجتهم كما غادر النواب كذلك فرساى .
  • الجمعية التأسيسية والنوادى 
وأحتلت الجمعية التأسيسية إحدى قاعات قصر التويليرى وجاء عدد كبير من البنائين والنجارين لإعداد المقاعد التى يجلس عليها الجمهور وأتخذ الأرستقراطيون والملكيون المعتدلون أماكنهم على يمين الرئيس وكان يرأسهم مورى ومونتسكيو وجاك دى كازاليه وإلى اليسار ظل الوطنيون الدستوريون مخلصين للملك وأعلنوا عن رغبتهم فى قيام نظام المجلسين على الطريقة الإنجليزية حيث تسيطر البرجوازية إنها حالة النظام الثلاثى دوبور وبارناف ولاميت ثم دى سييز وتاليران ولافاييت وميرابو وحاول الأخيران اللذان كان كل منهما يكره الآخر تقديم النصح إلى لويس السادس عشر من أجل مصلحتهما وفى أقصى اليسار جلس أنصار الإستفتاء العام والديموقراطيون ومعهم بيتيون ورويسبيير والأب جريجوار وأنتهز الكونت دى بروفانس ودوق أورليانز فرصة هذه الفرقة وراحا يتآمران .
وأنتشرت النوادى فى باريس وفى الأقاليم وأنقسم نادى اليعقوبيين إلى جزئين مع تأسيس نادى الرهبان عام 1791 وسرعان ما توارى كل من سييز ولافاييت وبايلى الذين أسسوا الجمعية عام 1789 أمام روبسبير وعلى العكس من اليعقوبيين ( جمعية أنصار الدستور ) فإن الرهبان الفرنسيسكان ( جمعية حقوق الإنسان والمواطن ) كانوا أساسا من الشعبيين وقد لفتوا إليهم الأنظار بالخطب العنيفة التى كانوا يلقونها ومنهم الطبيب مارات والشاعر فابر ديجلانتين والمحاميان دانتون وكاميل ديمولان وكانت أغلب الآراء التى تطلق فى النوادى تظهر فى صحف باريس التى أستغلت حريتها إلى أبعد الحدود وإلى اليمين راح ريفارول يحرك فى سخرية "أعمال الرسل" ولكن الوطنيون يمتلكون العديد من الأوراق ومنهم الوطنى الفرنسى دى بريسو الذى كان يندد دائما بالخونة ولم تبدأ الجمعية الوطنية أن حاولت السيطرة على الكتابات المتطرفة التى كان لها تأثير كبير على الرأى العام .
وأخذ العمل التشريعى للجمعية التأسيسية من عام 1789 إلى 1791 يستند إلى مبادئ عام 1789 وهى الأمة والقانون والملك وظهرت مفاهيم جديدة المساواة فى الحقوق والحرية والأمن ومقاومة القمع والسيادة الوطنية كما لو كانت مرتبطة تماما بالإنسان وقد إنفصلت السلطات وكان ذلك دليلا على نفوذ مونتسكيو وكذلك إنجلترا ومن هذه المفاهيم أن مهمة الملك وراثية ولا تمس وأن الملك بوصفه رئيس الجهاز التنفيذى يتولى قيادة الجيوش ويعين السفراء والقواد وهو غير مسئول ويختار بعيدا عن الجمعية الوطنية سته من الوزراء وكذلك إعفاءهم وعلى هؤلاء الوزراء أن يوقعوا جميع المراسيم الملكية كما أن للملك الحق فى الإعتراض الذى يوقف القرارات مع سلطات محدودة .
ويمارس السلطة التشريعية 745 نائبا وهم لهم حصانتهم ودائمون فى مراكزهم ويختارون عن طريق الإنتخاب لمدة عامين بطريق الإستفتاء المركزى على درجتين وتتضمن سلطاتها إصدار القوانين وربط الميزانية وتولى الشئون الخارجية غير أن المساواة المدنية لا وجود لها فقد ظهرت بالفعل أربعة فئات متميزة من المواطنين فالسلبيون لا يدلون بأصواتهم وينتخب العاملون أعضاء البلديات والناخبين وهؤلاء وعددهم 50.000 ينتخبون بدورهم السلطات الإدارية والقضائية والإكليركية ومن بينهم ملاك الأراضى الذين يدفعون ماركا ذهبيا أى حوالى 50 يوما من العمل وثار روبسبيبر على هذا النظام الذى يعود إلى سييز فى جانب كبير منه .
وقد بدى كذلك فى إعادة تنظيم الأقاليم وقد ألغيت الولايات وتم توحيد القوانين وكذلك الموازين والمقاييس والأنظمة الضريبية والجمركية وبناء على إقتراح من بارناف إنقسمت فرنسا إلى أقسام إدارية جديدة وعدد هذه الأقسام 83 وقد ناقش جميع المنتخبين المحليين مسألة إمتداد هذه الأقسام أو تجزئتها جغرافيا وقد قسمت إلى مقاطعات وفضاءات وقرى ولكل منها مركز ويتولى رئاسة القسم الإدارى أحد المجالس وتديره هيئة مكونة من 8 أعضاء ومدعى عام وللمقاطعة تمثيل مشابه أما القرية فلها مجلس عام يرأسه عمده وأحد المدعين وكانت اللامركزية مطلقة وتكون الحرس الوطنى من المواطنين العاملين وفى كل مكان كان الإختيار يتم عن طريق الإنتخاب .
وقد أصبح القضاة كذلك بالإنتخاب وتم إلغاء طريقة شراء المناصب فقد أصبح لكل قضاء واحد من القضاة وللمقاطعة محكمة من الدرجة الأولى وللمقاطعة محكمة جنائية بهيئة محلفين للإتهام وإصدار الأحكام على الطريقة الإنجليزية وفى باريس تنعقد محكمة النقض وتم القضاء تماما على أعمال التعذيب ولما كانت العدالة قد أصبحت فى متناول الجميع فقد أتيحت ضمانات قانونية لكل متهم ولم تعد كلمة "بلاط" تستخدم إلا فى حالة جرائم الدولة التى تحال إلى المحكمة العليا وأتمت الجمعية التأسيسية عملا تشريعيا متميزا كما أنها أقرت حق التجمع وألغيت الإحتكارات وفى يوم 14 يوليه 1791 قرر قانون شابلييه حرية العمل ولكنه حظر إنشاء نقابات عمالية والتكتلات العمالية وبمعنى آخر الإضراب وظل نظام العبيد فى المستعمرات بإسم الإقتصاد رغم الحملة التى قام بها أصدقاء السود .
  • الشئون الدينية 
أصدرت الجمعية الوطنية التى شغلتها الأزمة المالية مرسوما بناء على إقتراح من تاليران يوم 2 نوفمبر 1789 بأن "ممتلكات الكنيسة قد تم وضعها تحت تصرف الأمه" لقد أصبحت وطنية وأخذت البلاد على عاتقها نفقات العبادة ومعاملة القسس ماليا وكذلك المساعدات العامة ولإنشاء مصادر مالية مباشرة صدر 400 مليون سند مضمونة قيمتها بالممتلكات الوطنية بفائدة قدرها 5.5 % ولكن الدولة ضاعفت من إنتاج هذا النوع الجديد من النقود الذى سرعان ما إنخفضت قيمته بل إن أوراقا مزيفة منها طرحت للتداول فنتج عن ذلك تضخم كبير وركود فى التجارة وخسارة لأموال الدولة وفى نفس الوقت فإن بيع ممتلكات الكنيسة أتاح للبرجوازية فى المدن وللفلاحين الموسرين أن يشتروا بأتمان بخسة الأراضى والمبانى فأصبحوا دعما للنظام الجديد ووافقوا على مرسوم 21 أكتوبر 1789 ضد التجمهر الصاخب وبات غلاء وندرة المواد الغذائية والبطالة التى إنتشرت أساسا للكثير من النزاعات الإجتماعية .
وتقررت المساواة الضريبية فى شكل ثلاث ضرائب مباشرة وهى الضريبة العقارية والضريبة الشخصية والضريبة التجارية وهذا الإصلاح الذى كان عسيرا على التطبيق يفسر كذلك إبتداء من عام 1791 إصدار كميات كبيرة من السندات تعويضا للدخول الضريبية القليلة وفى إطار إعادة التنظيم الإدارى فى البلاد تقرر الآخذ بنظام إخضاع الأسقفيات للأنظمة الجديدة فى المقاطعات ولم يعد هناك سوى 83 مقاطعة بدلا من 135 و10 أسقفيات وفى يوم 12 يوليو 1790 وبعد أن قدم كل من الجنسينى كاموس وتربلهارد ولاتجوينيه والأب جريجوار والبروتستنتى رابو سان إيتيان مشروعهم صوتت الجمعية الوطنية على الدستور المدنى الخاص بالكنيسة وأصبح القسس موظفين منتخبين بوساطة العلمانيين تدفع الدولة لهم مرتباتهم ولم يضار المذهب ولكن الكنيسة إضطرت الخضوع للسلطة السياسية .
لقد قضى على آمال القسس والأنظمة الدينية فى فبراير 1790 ذلك أن الرغبة فى الحد من سلطة روما أقرها وصدق عليها لويس السادس عشر يوم 24 أغسطس وقد عارض فى ذلك بعض رجال الكنيسة بقولهم "إن البابا لم يستشر" ولكن النواب صوتوا يوم 27 سبتمبر على ضرورة أن يحلف رجال الكنيسة بوصفهم موظفين مدنيين يمين الولاء للدولة وقبل ذلك سبعة أساقفة من 130 ونصف القسس وأدان البابا بيوس السادس يوم 10 مارس 1971 هذا القانون 
كانت هذه هى القطيعة بين الذين أدوا اليمين وبين الذين إمتنعوا عنها وقد أدى ذلك إلى إنقسام عميق فى فرنسا وراح يتجسم ويزيد من صفوف أنصار الثورة المضادة وكان إستيلاء السلطة المدنية على الذين قد تجاوز بكثير الإطار الإدارى وقد رفضه الكثير من الكاثوليك وساعدوا رجال الدين العصاة فور أن بدأ الوطنيون يضطهدونهم .
إن الشيئ الرسمى الوحيد فى هذه البلاد المسيحية المتشددة هو الكثلكة أما الأديان الآخرى فليست إلا أمورا مسموحا بها وفى يوم 24 ديسمبر 1789 أصبح البروتستانت من جديد مواطنين فرنسيين متساوين مع الآخرين فى الحقوق بل إن أحدهم شارك فى صياغة الدستور المدنى أما اليهود فقد تم كذلك الإعتراف بهم وأصبح فى مقدورهم تدريجا الدخول إلى الوظائف المختلفة التى كانت مقصورة حتى ذلك الوقت على الفرنسيين .
  • من عيد الإتحاد إلى الجهاز التشريعى 
قامت الإتحادات الفيدرالية فى الريف عقب "الخوف الأكبر" وقد جاء المثال من دوفينيه حيث إجتمع عدد من الوطنيين بالقرب من فالانس فى أواخر عام 1789 وقررت الجمعية الوطنية أن الإتحاد الوطنى سوف يعقد فى باريس يوم 14 يوليو 1790 للإحتفال بالذكرى الأولى للهجوم والإستيلاء على سجن الباستيل وهو ما أعتقد حينئذ أنه نهاية للثورة وأجتمع مندوبو جميع الحرس الوطنى فى معسكر مارس إحتفالا بالوفاق الذى عاد وإجتماع الملك مع الأمة وأداء اليمين المدنية وقد تطوع الآلاف لإعداد المكان وترأس لويس السادس عشر هذه المظاهرة الكبرى التى إشترك فيها 400.000 شخص و60.000 جندى وأفتتح تاليران يحيط به 300 من القساوسة الصلاة فوق "مذبح الوطن" ثم أدى لافاييت يمين الولاء للأمة وللقانون وللملك وقد فعل نفس الشيئ لويس السادس عشر ملك الفرنسيين أمام جمهور أخذه الحماس .
لكن هذا الإحتفال الضخم لم يكن إلا وهما ففى الأقاليم كانت الحرب الدينية قد بدأت تتخذ صورة عنيفة وخاصة فى الغرب وفى الألزاس وفى الجنوب وأخذت المؤامرات تدبر كما إنفجرت أعمال التمرد ومنها تمرد نانسى الذى قمع بقسوة فى أغسطس 1790 وأتخذ لويس السادس عشر موقفا غامضا إزاء النظام الذى ينتزع منه سلطاته وحقه الإلهى إلى جانب أن الملكة والبلاط كانوا يقدمون إليه النصائح الضارة وعندما أراد يوم 18 أبريل 1791 الذهاب إلى سان كلو لقضاء عيد الفصح ومنعته الجماهير من ذلك ومنذ ذلك الوقت إتخذ قراره الخاص بالفرار وفى النوادى والصحافة إزداد النقد الذى يوجه إلى الملك والملكة عنفا وقد جرح الدستور المدنى عن الكنيسة كذلك معتقدات الملك أكثر مما جرحتها مطالبة الكنيسة من أداء اليمين المدنية وأزداد عدد النبلاء الذين يهاجرون إلى إنجلترا وإلى سافوى وإلى ألمانيا تاركين الملك لمصيره وأعد أكسيل دى فرزين صديق الملكة الحميم العده لهرب الأسرة المالكة وكان الأمر يتطلب الوصول إلى ميتز بأوراق مزورة فقد كانت اللورين قريبة من الأراضى النمسوية كما أن المراكيز دى بويليه أعاد النظام فيها وفى يوم 20 يونيه 1791 خرج الهاربون متخفين من قصر التويليرى ووصلوا إلى شارع ليشيل وصعدوا إلى إحدى العربات وخلال الرحلة أهمل لويس السادس عشر جميع جوانب الحذر ولم يهتم بالإختباء من الأنظار .
وفى سان مينهولد فى آرجون تعرف عليه موظف البريد درويه الذى وصل إلى فارين قبله وجعلهم يقبضون عليه وسرعان ما عرف النبأ فى باريس فقررت الجمعية التأسيسية إيقاف الملك وجندت جيشا من المتطوعين قوامه 100.000 رجل وعززت الحراسة على الحدود وأرسل بارناف وإثنان من زملائه ليجئ بالأسرة المالكة وقد جعله حزن مارى إنطوانيت يضطرب فلم يتوقف عن حمايتها وأستقبل جمهور بارد برود الثلج "الملك الطلسم" وكتب بويليه عندئذ إلى الجمعية الوطنية بأنه هو المحرض على هذه العملية وأن لويس السادس عشر قد أختطف وأسعد النواب أن يكرسوا هذه النظرية وما دام المذنب قد أقر بجريمته فإنهم أعادوا إلى الملك صلاحياته .
لقد كان من شأن هذا الحادث الخطير أن أنفجر غضب اليعاقبة أما الرهبان الفرنسيسكان حيث يسيطر الديموقراطيون فإنهم لم يترددوا بعد ذلك فى الحديث صراحة عن الجمهورية وفى يوم 17 يوليو قصد جمهور غفير إلى معسكرات مارس لكى يضع على "مذبح الوطن" عريضة يطالب فيها بإسقاط لويس السادس عشر ووافقت أغلبية اليعاقبة على ذلك على حين أن الملكيين ومعهم بايلى ولافاييت قرروا إنشاء نادى الرهبان وقد أمر هذان الرجلان بتعبئة الحرس الوطنى فى حين أن البلدية أعلنت قانون الأحكام العرفية وقررت رفع العلم الأحمر الذى هو شعارها ووقع حادث عندما أعتقد الحرس الوطنى أن رئيسهم لافاييت مهدد بالخطر ففتحوا النار على الجمهور وأسفر ذلك عن سقوط 50 قتيلا وسرعان ما ردت الجمعية البرجوازية بإتخاذها إجراءات ضد الديموقراطيين وصحافتهم وقد زادت من قيمة الخراج التى يدفعها دافعو الضرائب ليكون لهم الحق فى الإنتخابات من 150 إلى 200 يوم عمل وفى يوم 14 سبتمبر وافق الملك بصفة نهائية على الدستور وفى يوم 30 إنفض النواب وهم يهتفون "عاش الملك .. وعاشت الأمة" .
  • العلاقات الخارجية 
كانت أوروبا الليبرالية مؤيدة تماما لهذه الأحداث إذ أن أفكار عصر التنوير أثرت فى العديد من النفوس وبصفة خاصة فى ألمانيا فيشته وكانت وشيللر وجوته وفى إنجلترا فوكس وويلبرفورس فلقد كانت الفرنسية هى لغة الطبقة المثقفة وتطلعت الحكومات بإرتياح إلى الضعف السياسى فى فرنسا أما الإجراءات المضادة للنبلاء والكنيسة فقد أسخطتها ولقد كانت توصف بأبشع صورة على ألسنة المهاجرين الذين تجمعوا فى دائرة تريف الإنتخابية حيث نشطوا فى إغتياب الثورة وظهرت المنشورات كالكتيب العنيف الذى أعده الإنجليزى بروك بعنوان تأملات فى الثورة الفرنسية مما كان مبعثا على الجدل ورد عليه الأمريكى توماس بين بمنشور بعنوان حقوق الإنسان وقد أصبح فرنسيا عام 1792 ثم نائبا عن دائرة با دى كاليه أما فكرة الإئتلاف المناهض للثورة فقد أخذت تشق طريقها .

مواضيع ذات صله: