الإستيلاء على الباستيل



ملك ضعيف وجمعية بدأت تدرك مدى قوتها وعاصمة تتحرك 
فتهوى الملكية ذات الحق الإلهى 

إذا أعتبرنا التسلسل التاريخى للأحداث فإن الثورة الفرنسية تكون قد بدأت يوم 5 مايو 1789 وهو تاريخ دعوة الملك لويس السادس عشر لمجلس طبقات الأمه فى المملكة الفرنسية وأنتهت فى عام 1815 وهو تاريخ إنهيار السلطة النابليونية الذى كان نتيجة المباشرة لذلك وبصفة عامة فإن الثورة تنحصر فى فترة أقل إتساعا هى الفترة من 9 يوليو 1789 وهو تاريخ قيام الجمعية التأسيسية إلى يوم 26 أكتوبر 1795 وهو تاريخ تكوين حكومة الإدارة فى ترميدور وهى الحكومة التى عاصرت روبسبيير .
  • نهاية نظام قديم 
عندما أفتتح لويس السادس عشر أول أجتماع لمجلس طبقات الأمة فى قاعة "مينوس بليزير" بقصر فرساى لم يكن أحد ليشك فى أنه لن تمضى ثلاثة شهور حتى ينهار نظام مضت على تأسيسه بضعة قرون وكانت على رأس هذا النظام ملكية مطلقة ذات حق إلهى فالملك وقد قدس فى كاتدرائية ريمس إنما هو مكلف من الله ليحكم البلاد طبقا لهواه الخاص وكانت المملكة والرعايا ملكا خاصا له وكانت البلاد تنقسم إلى ثلاث طبقات هى النبلاء ورجال الدين وأفراد الشعب وهؤلاء يشملون البرجوازيين والفلاحين .
النبلاء: أمضى ملوك فرنسا قرونا عديدة لكى يروضوا أفراد هذه الطبقة حتى أصبحوا يدينون للملك بالطاعة وإن كانوا قد حصلوا فى مقابل ذلك على أمتيازات ضخمة كالإعفاء من الضرائب وإحتكار بعض المناصب والمعاشات والرواتب الكنسية وحق القضاء فى أراضيهم وإحتكار حق القنص وحق تشغيل رعايا إمارتهم لمصالحهم الخاصة وأجتباء جزء من الإنتاج الزراعى والماشية وفى عام 1789 كان هناك نحو 350.000 نبيل .
رجال الدين: 120.000 فرد كانوا يتمتعون أيضا بالإعفاء من الضرائب وكانوا يتبعون المحاكم الكنسية كما كان بإستطاعة الكنائس والأديرة تشغيل الفلاحين فى مناطقهم لمصلحتهم الخاصة كما كانت طبقة النبلاء تنقسم إلى كبار الحكام وإلى النبلاء الريفيين وكان رجال الدين هم أيضا يشغلون مرتبتين مرتبة عليا ومرتبة دنيا وكان بعض أعضاء المرتبة العليا من أسر نبيلة ولا يشاركون إلا قليلا فى حياة أبرشياتهم مكتفين بتحصيل ثمار هذه الوظيفة أو تلك أما أفراد المرتبة الدنيا فكانوا كثيرى التذمر من قلة الحماس الدينى الذى يبديه أفراد المرتبة العليا وكذلك من الحاجز الذى كانوا يضعونه فى وجه ترقيتهم .
أفراد الشعب: كانوا يشملون بدون تمييز الأغنياء والفقراء والأعيان والحرفيين والفلاحين وكان تعدادهم يكون 26 مليونا من "السوقة" أى الذين لا تجرى فى عروقهم دماء الأشراف ومنذ منتصف حكم لويس الخامس عشر وطوال مدة حكم لويس السادس عشر كان هذا النظام موضع المعارضة فالفلاسفة مثل دالامبير ومونتسكيو وديدرو وفولتير وجان جاك روسو كانوا يشككون فى مبدأ الملكية المطلقة وكانت كل كتاباتهم تمتدح مزايا المساواة .
  • تبلور المعارضة 
كانت ثورة كرومويل  فى إنجلترا وإعلان الإستقلال فى الولايات المتحدة الأمريكية سببا فى بلبلة الخواطر وبدأ جزء من طبقة النبلاء التشكك فى حقوقهم أما الأعيان وقد أجتمعوا فى عام 1787 بدعوة من كالون فكانوا يشتكون من فداحة الضرائب وأعترض الحرفيون على إمتيازات الإتحادات وهيئات المحلفين وهى جمعيات محترفة كانت تحدد أختياريا عدد أعضائها ويقطعون الطريق أمام الإرتقاء المهنى أما التجار فكانوا يعترضون على المبالغة فى الأحكام وعلى العقبات التى تشكلها الرسوم والضرائب العديدة التى فرضت خلال القرون السابقة أما أهالى المدن فكانت ثورتهم تتزايد عادة ضد الإستغلال الذى كان يؤدى إلى ندرة المواد الغذائية والمخزون منها فى أوقات وفرة المحصول بهدف رفع الأسعار فى أوقات المجاعة وكان أهل الريف يخضعون لكثير من ضروب السخرة ويتذمرون من الضرائب غير العادلة مثل ضريبة الملح والدخان وبعض السلع الآخرى الأمر الذى جعل من التهريب عملية رائجة .
  • موقف باعث على القلق 
فى الوقت الذى أخذت فيه المعارضة والمطالبات تتجمع كانت المملكة تجتاز أزمة مالية خطيرة لم يكن من السهل زيادة الضرائب بينما كان كثيرون من أصحاب الإمتيازات لا يدفعون منها شيئا وكان الملك لويس السادس عشر الذى لم يكن من رجال المال بل ولا من رجال الإدارة كان متأثرا بنفوذ مستشاريه من جهة أولا تورجو الذى أقصاه ثم المصرفى السويسرى نيكر ومن جهة آخرى بالنفوذ المتناقض للملكة مارى أنطوانيت وبعد تردد طويل قرر لويس السادس عشر أن يدعو مجلس طبقات الأمه للإجتماع بالرغم من أنه دعوة هذا المجلس قد أهملت منذ 175 سنة وكان آخر أجتماع للطبقات الثلاث قد حدث عام 1614 فى عهد وصاية مارى دى مديتشى الوصية على الملك الشاب لويس الثالث عشر ولم يكن رأى مجلس طبقات الأمة سوى رأى إستشارى وكان من سلطة الملك أن يفض المجلس متى شاء وعندما أفتتح الملك أعمال هذا الإجتماع كان خطابه غاية فى الإيجاز فقد أقتصر على قوله "أنتم هنا لتقدموا لى الوسائل لإعاشة المملكة" ومنذ بداية المناقشة تبين أن المندوبين إنما حضروا الإجتماع بهدف آخر تماما 
  • الجمعية التأسيسية 
أستغرق إنهيار النظام القديم بضعة أسابيع من 5 مايو 1789 إلى 9 يوليو حيث تحولت جمعية طبقات الأمة إلى جمعية تأسيسية وسرعان ما تبلورت المعارضة للسلطة الملكية وكان الملك يتوقع أن يتم الإنتخاب بترتيب الطبقات الأمر الذى كان يضمن له جمعية مطيعة إذ كان من المحتم أن يحدث تحالف بين النبلاء ورجال الدين غير أن أفراد طبقة الشعب كانوا يطالبون بالتصويت فرادى وتضايق لويس السادس عشر من تطور الموقف فتذرع بوجود إصلاحات فى قاعة "مينوس بليزير" يوم 20 يونية 1789 وكان يرمى من ذلك إلى إغلاقها وبدعوة من الفلكى بايلى أجتمع مندوبو طبقة الشعب وحدهم فى قاعة لعبة التنس وهناك نطقوا بالقسم الذى أصبح معروفا فى التاريخ بأسم "قسم لعبة التنس" وبموجبه تعهدوا مخلصين بعدم التفرق بعد أن تحصل فرنسا على دستور وبعد ذلك بيومين إنضم إليهم 150 من رجال الدين وأثنان من النبلاء وفى يوم 23 يونية وبناء على مشورة نيكر قرر الملك دعوة مجلس طبقات الأمة للإجتماع فى قاعة "مينوس بليزير" ولكن تحت ضغط الملكة غير رأيه وأمر بأن تجرى كل طبقة مناقشاتها على حده وكان معنى هذا الإجراء فى الواقع فض مجلس طبقات الأمة والعودة إلى الوضع الذى كان قائما قبل دعوته وقد أستجاب مندبوا النبلاء ورجال الدين وأنسحبوا .
لكن أعضاء طبقة الشعب لم يغادروا القاعة وهنا جاءهم المركيز دى دروبربزيه رئيس تشريفات الملك يرجو المندوبين مغادرة القاعة تنفيذا لأمر الملك وهنا أجابه النائب ميرابو الذى كان أفراد طبقة الشعب قد أنتخبوه رغم أنتمائه لطبقة النبلاء أجاب بتلك العبارة التى سجلها التاريخ : 
"إذهب وقل لسيدك أننا هنا بإرادة الشعب
وإننا لن نخرج من هنا إلا بقوة السلاح"

وأخيرا أستجاب لويس السادس عشر وأجتمعت طبقات الشعب مرة آخرى يوم 27 يونية وقرر المجتمعون تنظيم الحكومة وتقديم مشروع دستور للملك ليلتزم به وكانت الملكية لاتزال تتمتع بشعبية عظيمة ولو كان لويس السادس عشر قد قبل أن يكون دستوريا أمينا لظل الشعب مخلصا له غير أنه لسوء الحظ واجه مشورة سيئة من الملكة ومن أخيه الكونت دارتوا اللذين لم يقبلا أن تتحول طبقات الأمة إلى جمعية وطنية تأسيسية فى يوم 9 يوليو وقد أقصى الملك الوزير نيكر يوم 11 يوليو بعد أن أمر بحصار قصر فرساى وأرسل إلى باريس كتيبة عسكرية عسكرت فى شان دى مارس .
  • الإستيلاء على الباستيل 
كان ذلك الإجراء التهديدى مثير لإشمئزاز الرأى العام والمعارضة وفى يوم 12 يوليو فى دار البلدية قرر الناخبون الذين عينوا المندوبين وعددهم 407 تأسيس لجنة دائمة تتكون من 23 عضوا لتحل محل المجلس البلدى الشرعى لإدارة المدينة وقرروا لتوهم إنشاء حرس مدنى لمقاومة دخول قوات الملك إلى باريس وكذلك للمحافظة على النظام فى مواجهة التمرد الذى كان يخشاه النبلاء وعشية ذلك اليوم فى حدائق القصر الملكى الذى كان يملكه دوق أورليانز المعروف بأفكاره الإصلاحية قام محامى شاب يدعى كامن ديمولا وخطب فى الجماهير داعيا إياهم بالتسلح ضد الكتائب السويسرية والألمانية التى كانت تريد فى رأيه ذبح أهل باريس بأمر الملك وقد أدخل على معجم العبارات السياسية عبارة جديدة وهى كلمة "الوطنيين" التى لم تكن معروفة قبل ذلك والتى توحى بفكرة الوطن ومن كانوا يوصفون بالرعايا فى معظم بلدان أوروبا وقد أستجاب الوطنيين لنداء كامن ديمولا صباح يوم 14 يوليو وأستولوا على 32000 بندقية كانت مودعة فى دار الإنفاليد بعد أن أقتحموا أبوابها دون مقاومة وأسرع الحرفيون فى شارع سانت أنطوان نحو الباستيل لنفس الغرض .
كانت القلعة الضخمة ذات الأبراج الثمانية التى تعلوها المدافع رمزا للإستبداد وكان ملوك فرنسا يستخدمونها سجنا رسميا يحتجزون فيه دون محاكمة كل من لا يرضون عنه وكذلك ضحايا الأسر التى أستطاعت أن تحصل من الملك على "خطاب أحتجاز" وهو تصريح بالإعتقال ممهر بإمضاء الملك والواقع أن لويس السادس عشر لم يكن يستخدم هذا الإجراء منذ زمن طويل وعندما تم الإستيلاء على الباستيل لم يجد المهاجمون بداخله سوى سبعة معتقلين كانت تلك القلعة قد أصبحت دفعة واحدة رمزا على الطغيان وفضلا عن ذلك كان الشعب يخشى أن يتحول الباستيل إلى مركز العمليات الحربية ضد باريس كما كانوا يهدفون إلى الإستيلاء على السلاح .
لم يكن تحت إمرة الحاكم المركيز دى لونيى للدفاع عن القلعة سوى 32 من المرتزقة السويسريين و80 من الجنود غير النظاميين وبعض المدافع القديمة وقد قبل المركيز التفاوض مع الثوار فسحب المدافع ولكنه رفض تسليم الأسلحة كانت الجماهير لا تتزايد وسرعان ما عززتها فصيلتان من الحرس الفرنسى ورجال المليشيا وقد نجح المهاجمون فى تدمير الجسر المتحرك الذى كان المركيز لونيى قد رفعه ودخلوا إلى ساحة القلعة وعندئذ تملك الذعر من المركيز وأمر بإطلاق النار فسقط بعض الرجال وبدأت المعركة وفى حوالى الساعة الخامسة من بعد الظهر أستسلم المركيز وأستولى الحماس على المنتصرين فقبضوا على المركيز وعلى قائد المرتزقة السويسريين وطبيبين وقادوهم إلى ميدان جريف حيث قتل حاكم الباستيل بضربة سيف من يد طباخ فصلت رأسه عن جسده ولقى الطبيبان نفس المصير إلا أن قائد السويسريين تمكن من الهرب وبينما كان الثوار يعلقون رؤوس الضحايا فوق الرماح وكان كبير التجار جاك دى فليسيل وقد لفتت الضوضاء أنتباهه فخرج من دار البلدية يتبعه أعضاء مجلسها وإذا بأحد الثائرين يرديه بطلقة غدارة ثم فصل رأسه عن جسده وألحقه بالرؤوس الثلاثة الآخرى على طرف رمح ثم أخذ المتظاهرون يمرون بتلك الرؤوس فى شوارع باريس وهم يتصايحون فرحا 
ولقد لعب الحرس الفرنسى وأصحاب الحوانيت والحرفيون دورا جوهريا فى أثناء الثورة التى لم تكن الأولى التى عرفتها باريس وكان لسقوط الباستيل دوى عظيم فى كل أنحاء البلاد وكان الملك قد أراد التأثير فى الجمعية وإذلال الباريسيين ولكن هؤلاء نجحوا فى إنزال ضربة قاسية بالملك وعلى غرار ما حدث فى باريس هوجمت قصور وأديرة فى الأقاليم وأشعلت فيها النيران وبدأ النبلاء فى الريف يتأثرون بأحداث باريس ومنذ تلك اللحظة تملك الرعب بعض النبلاء فعبروا الحدود أنتظارا للحظة التى سيتدخل فيها الملوك الأجانب ويبعثوا بقواتهم لقمع الثورة وأيضا كان لسقوط الباستيل من الأهمية فى تاريخ فرنسا لدرجة أن كثيرين يجعلون بداية الثورة الفرنسية هو يوم 14 يوليو 1789 وقد حرصت الجمعية الوطنية على تخليد هذا التاريخ منذ بداية الجمهورية الثالثة وأصبح يوم 14 يوليو عيدا قوميا فى فرنسا منذ عام 1880 .
  • مولد عالم جديد 
أخذت الأحداث تتسارع أبتداء من يوم 14 يوليو وكان كل يوم جديد يأتى بعناصر جديدة فى حين كانت الجمعية التأسيسية تتعجل الدفعة الإصلاحية وتقلب رأسا على عقب مجتمعا أستغرق تشكيله عدة قرون ولم يكن هناك سوى قليلين يدافعون عنه بل إن الذين قاموا بهذا التحول كانوا هم أنفسهم عرضة للتحول بل للإقصاء على يد المتعصبين الذين كانوا بدورهم ضحايا التطهير وأخيرا وجد الأسقف سييز كلمة النهاية فى وصف تلك الحقبة فقد أجاب على سؤال وجه إليه عما فعله أثناء تلك الأعوام الفظيعة بقوله "لقد عشت" والواقع أن كل ذلك كان عملا يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والقوة فى فترة سقطت فيها رؤوس كبيرة ومن 5 مايو إلى 14 يوليو 1789 لم يكف لويس السادس عشر عن المراوغة والتراجع عن وعوده وإتخاذ مواقف دائمة التناقض ومع ذلك فقد ظلت الملكية محتفظة بشعبيتها وقليلون هم الذين كانوا قد بدأوا يتنبأون بسقوطها .
كان تعنت الملك وعدم تبصر الملكة وفرار النبلاء إلى الخارج سببا فى حرمان العرش من المدافعين عنه كما كانت بعض الإجراءات التى إتخذتها الجمعية التأسيسية سببا فى تشويه موقف كان يمكن إنقاذه بقليل من حسن النية والتفاهم وفى نهاية يوم 14 يوليو أنسحب جزء من القوات الملكية إلى سان كلود وفى يوم 15 يوليو أمر الملك القوات بالإنسحاب فعد ذلك قبولا منه بالأمر الواقع وفى يوم 16 يوليو أستدعى نيكر مرة ثانية وترك سلفه فويون لقدره التعس وكان قد حل محله نيكر لبضعة أيام لقد أعتقله الثوار خلال شهر يوليو وشنقه الناس على أحد أعمدة المصابيح وقد بدأت باريس العهد الجديد بإقصاء المجلس البلدى القديم وأنتخب 23 ممثلا للناخبين الذين أستقروا فى دار البلدية منذ بداية الأضطرابات وأنتخبوا بابلى ليحل محل جاك دى فليسيل وهكذا تم الإتحاد بين الجمعية التأسيسية والعاصمة وأتخذ بابلى لقب العمدة وأتخذت البلدية أسم "كومون باريس" (مجلس العموم) كان لذلك التحول أهمية إذ أصبحت باريس المركز العصبى للثورة وأخذ تأثيرها يتزايد على مستقبل البلاد .
وبدأ المجلس البلدى بمحاولة التقريب بين الرغبة فى الإصلاح وبين الملك وفى يوم 17 يوليو دعا بابلى إلى دار البلدية وقد بادر الملك لويس السادس عشر بقبول الدعوة وتوجه إلى الدار بصحبة الجمعية التأسيسية وهناك رحب به العمدة وقدم له الشعار الوطنى الذى صممه لافاييت الذى كان قد أختير قائدا عاما للحرس البرجوازى الذى أصبح الحرس الوطنى والشعار يجمع بين ألوان باريس الأسود والأحمر مع الأبيض الذى يرمز للملكية وقد قبل لويس السادس عشر الشعار وزين به قبعته ثم ظهر به فى النافذة فحيته الجماهير وبدا وكأن التفاهم مع الشعب قد تحقق فى حين كان رجال البلاط يتميزون غيظا ولكنهم سكتوا على مضض وقد أدرك ممثلوا الفكر التحررى بين صفوف النبلاء أنه بات من الضرورى التلاحم مع الفكر الجديد وأقترح الفيكونت دى نواى والدوق ديجسويون والفيكونت دى بوهارنيه أن ينزل النبلاء من تلقاء أنفسهم عن أمتيازاتهم وأخذت الأصوات على هذا الإقتراح وسط التصفيق فى تلك الليلة التاريخية ليوم 4 أغسطس فالأمر يتطلب السرعة إن الأقاليم بدأت تثور بدورها وفى مناطق عديدة وأقتحم الفلاحون قصور النبلاء وأحرقوا وثائق العبيد التى كانت تحمل نص حقوق الأمراء وإن تجنبوا إلحاق أى أذى بالأشخاص وكان أمام الجمعية الوطنية الخيار بين القمع وبين الإصلاح وبالتصويت على إلغاء الإمتيازات تحقق مطلب من المطالب الأساسية التى تضمنتها "كراسات الشكاوى" فلقد أنتهى عهد المجتمع الإقطاعى وأنتهى معه نظام العصور الوسطى الذى كان لايزال سائدا وبقيت مسألة أملاك رجال الدين وفى ليلة 4 أغسطس طلب الكردينال دى لافار أسقف نانسى إعادة شراء أملاك الكنيسة ولكن بعض رجالها أعترضوا على ذلك .
ورغبة فى تقنين الإجراءات التى تقيم المساواة بين كافة الفرنسيين أمام القانون وضع سييز مشروع إعلان لحقوق الإنسان والمواطن أخذت عليه أصوات أعضاء الجمعية التأسيسية وأقرت بنوده 17 يوم 26 أغسطس ووعد لويس السادس عشر بالتصديق عليه وكان بهذا الوعد قد نقل الحقوق غير المكتوبة للمواطنين التى تعلو فوق حقوق الأمة أو بعبارة آخرى نقل وصايا الرب إلى المجالين المدنى والسياسى كما كان ذلك أنتصارا للأفكار التى كانت قد أخذت تنتشر منذ بداية القرن عن طريق فولتير وجان جاك روسو .
لقد توج إعلان حقوق الإنسان والمواطن تلك الحقبة الأولى من الثورة فما أن شعر الجميع بالحرية حتى ركزوا أهتمامهم منذ ذلك الوقت نحو فرنسا يستلهمون منها المثل وأصبح الإستيلاء على الباستيل رمزا على فناء النظام القديم وعلى تحرير كل المظلومين الذين أخذوا يحلمون بيوم 14 يوليو وكان لابد من أنتظار الثورة الروسية لكى تستكمل المسيرة بطريقة جديدة فى التفكير وبأمل جديد تميز بسقوط "قصر الشتاء" لتحل محل الثورة الفرنسية .