المضاربة

منذ نظم التجارة القديمة إلى قيام الإقتصاد الحر الحديث كانت المضاربة وبالرغم مما يوجه إليها عادة من نقد شديد من عوامل التقدم
  • المضاربة والربح 
إن المضاربة التى يكون الهدف منها الربح المادى لا تحظى بسمعة طيبة إذ ينظر الإتجاه السلوكى العام بعين الأرتياب إلى المحاولات التى ترمى إلى زيادة دخل القائمين بها دون تأدية عمل أو بذل مجهود أو أستثمار إنتاجى والمضاربة يمكن أن تتم على المكشوف فى حدود القانون ولكن الرأى العام يندر أن يضفى عليها صفة الشرعية ولذلك كانت صفة المضارب من الصفات التى تحط من قيمة الموصوف بها هذا علاوة على أن عمليات المضاربة تتم عادة فى جو من السرية والإعلان عنها يجعلها مستحيلة وليست كل المضاربات مما ينطوى على الخداع ولكن الواقع أن بعض المضاربات الشهيرة أقترنت بمناورات تتسم بالخديعة أو قامت على أسس من الكذب مما أشاع الأستياء ومما يبرر هذه السمة أيضا أن كل عملية مضاربة تنتهى دائما بمستفيد وفى نفس الوقت بضحية بل وبعدد كبير من الضحايا .
والمضاربة تتطلب حاسة إدراك قوية وحسابات دقيقة وتذوقا للذة القيام بها وأحيانا للذة المغامرة والواقع أن المضاربات وخاصة الموفقة ماديا تنتهى نهاية سيئة بالنسبة للقائمين بها وأشهر الحالات التى من هذا القبيل حالة الممولين فولون وبرتييه دى سوفينييه اللذين كانا يضاربان فى سوق الحبوب عام 1789 وكانت فترة من فترات المجاعة وقد أثرى هذان الممولان إثراء سريعا وصارا موضع إدانة الجماهير التى وصفتهما بالإستغلاليين وعندما خاطرا بالمرور وسط الجماهير إنقضت عليهما وأنتزعتهما من عربتهما ثم إنهالت عليهما ضربا ولكما وأنتهى الأمر بفصل رأس برتييه وتعليقه فوق عود والمرور به فى الطرقات فى حين أن صهره فولون شنق على أحد أعمدة النور وقد حشى فمه بالتبن إنتقاما مما سبق له أن صرح به من أن الشعب يستطيع أن يأكل التبن وقع هذا الحادث يوم 22 يوليو 1789 فى باريس .
والفكرة الأساسية فى المضاربة هى التنبؤ بموقف والتصرف على أساس هذا التنبؤ لإمكان تلبية الطلب عندما يقل المعروض وبعض المضاربين يصطنعون هذه المواقف وهنا ترتبط السياسة عادة بالمضاربة ويكتفى آخرون من المضاربين بمعرفة المعلومات قبل أن يعرفها الجمهور بقصد إستغلالها لمصلحتهم ومن أمثلة ذلك حادث رجل المال الشهير ناثان روتشيلد الذى أثرى بالمضاربة بهبوط الأسعار فى البورصة الفرنسية ذلك لأنه كان قد علم قبل أى أحد آخر بالهزيمة التى لاقاها نابليون فى موقعة ووترلو .
  • بعض الأمثلة الشهيرة 
تضم سجلات التاريخ بين دفتيها عددا كبيرا من المضاربات إذ أن هذا النوع من النشاط تجرى مزاولته منذ أقدم العصور بل وقبل أختراع النقود التى كانت من العوامل التى أدت إلى تنشيطها ويضم تاريخ فرنسا تفاصيل مضاربات رجل المال الأسكتلندى "لو" فى عام 1716 تمكن جون لو من الحصول على حق إنشاء مصرف وشركة تجارية وعلى حق الإحتكار والإستغلال لثروات وادى نهر المسيسيبى وكان ذلك بإستخدامه أسم شركة وهمية فى لويزيانا وقد نجح فى محاولته وأرتفعت الأسهم بطريقة مذهلة وأغرقت أوراق النقد الأسواق إلى أن كان اليوم الذى أعلن فيه إفلاس الشركة وراح ضحيته عدد كبير فى نفس الوقت الذى أهتزت فيه مالية الدولة .
وأيضا عرف تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مضاربتين كان لهما دوى كبير إحداهما عقارية كان أساسها رغبة الولايات المتحدة فى تعمير الأراضى وتشجيع أستثمارها وكان المهاجرون يحصلون على الأراضى بأسعار بخسة وهنا تدخل المستثمرون فأستولوا على الأراضى المعروضة دون أن يتورعوا عن إتخاذ صفة المهاجرين أو أنتحال أسماء وهمية ثم أعادوا بيع هذه الأراضى للذين كانوا يحتاجون فعلا لإستغلالها وحقق هؤلاء المضاربون أرباحا طائلة أما المضاربة المالية التى جاءت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى فقد بلغت حدا من التوسع لدرجة أن البورصة فى وول ستريت لم تتمكن من الصمود أمامها وأنتهت المغامرة بإنهيار شامل للأسعار عام 1929 صاحبته إفلاسات عديدة وحالات أنتحار مدوية فضلا عن الأزمة الإقتصادية العالمية الساحقة التى هزت الإقتصاد العالمى هزة عنيفة .
وقد لعبت المضاربات الدولية دورا كبيرا فى إنهيار القيمة النقدية الأمر الذى أدى إلى تخفيض أسعار النقد وإعادة تقييمه وتعويم أسعار القطع وفرض الرقابة على النقد إعتبارا من عام 1970 فى كل نواحى النظم النقدية العالمية وفى هذه الحالة لم يكن الدور هو دور الأفراد بقدر ما كان دور الشركات الدولية التى هى المحرك والمستفيد فى تلك المضاربات .
  • فوائد المضاربة 
يرى بعض أصحاب الفكر المالى أنه لا يجب إدانة المضاربة فالشراء عندما تكون السوق راكدة والأسعار منخفضة ثم البيع عند إرتفاعها يؤدى إلى تخفيف حدة تقلب الأسعار إذ أنه يهيئ للأسعار ثباتا فى الأجل الطويل كما أنه وإلى حد ما يعمل على تقدم السوق وتنشيط حركة الشراء والبيع فى الوقت الذى يحجم فيه المنتجون والمستهلكون عن ذلك ولإكساب المضاربات طابع الشرعية فإن أصحاب الفكر المالى يدعون إلى جعلها علنية وأإن تكون المعلومات التى تنشر عن تطورات الموقف الإقتصادى أكثر إسهابا .

مواضيع ذات صله: