رأسمالية الدولة الروسية اليوم . . .
هل هى حقا خطوة ومرحلة إنتقال نحو الشيوعية ؟
إتحاد الجمهوريات إلاشتراكية السوفييتية إتحاد أمه لا حدود لها يتألف من 15 جمهورية على رأسها مجلس السوفييت الأعلى المكون من مجلسين منتخبين هما مجلس الإتحاد ومجلس القوميات وهما جهازان تشريعيان ينتخبان مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ويقوم الحزب الشيوعى الذى يضم حوالى 14 مليونا من الأعضاء بدور أساسى فى الحياة السياسية إذ لا يسمح بقيام أى حزب آخر .
- أمه لا حدود لها
والإتحاد السوفييتى هو أول دولة فى العالم من حيث المساحة إذ تبلغ مساحته حوالى 22.300.000 كيلو متر مربع ويسكنه أكثر من 245 مليون نسمة وكل قومية من القوميات الرئيسية فى هذه الدولة التى يتحدث أهلها 160 لغه تعطى إسمها لإحدى الجمهوريات 15 ومن الممكن ان نميز داخل كثير من هذه الجمهوريات 20 جمهورية ذات إستقلال ذاتى و8 مناطق قوميه و10 من المناطق تقابل قوميات أصغر أو شعوبا تعيش حياة خاصه كاشعوب شمال الأقصى فليست المسألة مجرد تيسير إدارى فرض هذا التركيب الإتحادى وإينما تنوع السكان هو الذى فرضه .
وهذا التنوع يمتد إلى الثروات إمتداده إلى الصعوبات التى تضعها طبيعة البلاد فى طريق الإنسان فالإتحاد السوفييتى يحتل سدس مساحة الأرض المذكوره وأربعة أخماس الأرض غير الصالحة للزراعة والمزروعات تغطى 207 ملايين هكتار ويحتوى باطن الأرض على موارد من كل نوع وبكميات غير عادية غير أن إستغلال هذه الموارد يقتضى فى أغلب الأحيان جهودا تكاد تكون خارقة بسبب مقاومة الوسط الطبيعى ويضم الإتحاد السوفييتى 11 منطقة زمنية والطول الإجمالى لحدوده البرية والبحرية يتجاوز 60 ألف كيلو متر وعلى الرغم من وجود 40 ألف كيلو متر من السواحل تطل على 5 بحار ومحيطات فإنه لا يملك غير إمكانيات مينائية محدودة فبحر قزوين بحر مغلق والبحر الأسود وبحر البلطيق تخنقهما المضايق والمحيط المتجمد الشمالى لا يمكن إستخدام طريقه البحرى الشمالى ـ الشرقى إلا بضعة أسابيع صيف وميناء مورمانسك هو الوحيد الذى يخلو من الثلوج طيلة العام أما أرخانجلسك فمعطل خمسة أشهر من السنة وأخيرا يظل ميناء فلاديفوستوك وهو الوحيد من موانى المحيط الهادى الكبيرة يظل مشلولا من جراء الجليد مائة يوم سنويا وعلى العكس من ذلك تماما يعانى جنوب آسيا الوسطى من حرارة خانقة ومن جفاف لا يمكن محاربته إلا برى دؤوب مثابر .
عشرة آلاف كيلو متر من الشرق إلى الغرب وخمسة آلاف من الشمال إلى الجنوب من بحيرة رودولف إلى الحدود الأفغانية .. على هذا النحو تعرض لنا هذه البلاد الشاسعة التى أصبحت أقوى دولة عالمية بعد الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بفضل نهضتها الإقتصادية وحيويتها ودينامكيتها وإنجازاتها العلمية ونفوذها السياسى وقوتها العسكرية
- الحكم الذاتى للقوميات
ولا يقل الخليط العرقى فى الإتحاد السوفييتى غرابة عن تنوعه الجغرافى إذ تتقاسم أرضه الأجناس الصفراء والبيضاء والشعوب التى تنتمى إلى الحضارة الإسلامية والمسيحية الأرثوذكسية والشعوب الرحل والمرتبطة بالأرض وفيه جماعات إنسانية بدأت تاريخها ومدنيات تطورت فى منطقة آسيا التى تحدها منطقة القوقاز والأورال وألتاى الجبلية غير أن التوحيد السياسى لم يكن ممكنا إلا بإتساع نفوذ سلالة السلافيين التى ينتمى إليها ثلاثة أرباع الإتحاد السوفييتى
ويواكب التكوين التدريجى للإمبراطورية الروسية إنتصارات الروس الكبار القادمين من موسكوفيا فى القرن 17 وضم إقليم أوكرانيا وهو منطقة الروس الصغار إلى الإمبراطورية وأستمرت عملية التوسع إلى أراضى الشمال الأمريكى .
وورثت دولة السوفييت الإشتراكية التى أنبثقت عن الثورة الروسية فى أكتوبر 1917 وأعلنت فى 30 ديسمبر 1922 إمبراطورية إستعمارية إلى حد ما وأراد زعماء الدولة الجديدة محو هذا الطابع الإستعمارى فأنشأوا ذلك التركيب الإتحادى للدولة وأكدوا مبدأ المساواة والإستقلال الذاتى للقوميات مستهدفين بذلك شطب كلمة "الروسنة" التى ظلت وقتا طويلا هدف السياسة الداخلية للنظام القديم ومع ذلك فإن التفوق الديموجرافى (السكانى) والإقتصادى والسياسى لروسيا الأوروبية أمر لا نزاع فيه .
وتتحدد المناظر النباتية وفقا لخطوط العرض والقارية وما أن يسمح المناخ حتى تفسح الطحالب وأعشاب التندرا القطبية مكانها لغابات الصنوبر ثم للأشجار الدائمة الخضرة التى يسودها التنوب والبتولا بيد أن هذه الغابات تختفى بدورها فى الجنوب لتحل محلها البرارى والإستبس وأراضى أوكرانيا الخصبة السوداء .
وأخيرا فى المنطقة الجنوبية على شواطئ البحر الأسود وعلى سفوح سلسلة جبال القوقاز يسود مناخ البحر المتوسط والمناخ المدارى على حين يزداد الجفاف حدة فى سهل حوض الفولجا وفى إتجاه الجنوب يرقى شريط الأراضى الغنية بالمواد العضوية وهنا تؤلف الإستبس الرمادية التى تعد مدخلا للصحراء مشهدا رتيبا لا يبعث فيه الحياة إلا الإزدهار النباتى الذى يجلبه الربيع
وهذا الشطر الأوروبى من الإتحاد السوفيتى الذى يعد أصلح المناطق للزراعة يمتلك أيضا ثروات معدنية ملحوظة فهناك فحم مدينة "دونباس" وبترول "باكو" وحديد "كريفوى ـ روج" و"كورسك" وعلى هذا الخمس من مساحة البلاد يعيش ثلثا السكان وتزوده ثلاثة أرباع المنتجات الصناعية .
- صحروات من الثلج وصحروات من النار
وتفصل جبال الأورال سهول أوروبا عن سهول سيبريا الغربية وهذه المنطقة تخفى ثروات معدنية خرافية وتشكل منذ الحرب العالمية الثانية أحد المواقع التى يبلغ فيها النمو الصناعى للإتحاد السوفييتى أعلى درجاته وتسود قسوة الشتاء الجاف المشمس فى الوقت نفسه وكلما تقدمنا صوب هضبة سيبريا الوسطى وصوب الجبال التى ترتفع على الجانب الآخر من "لينا" ففى فيرخويانسك يهبط الترمومتر أحيانا إلى ما تحت درجة 70°م تحت الصفر ومع ذلك فإننا كلما تقدمنا نحو الشرق خفت حدة المناخ بتأثير المحيط الهادى .
ولما كانت سيبريا هى منطقة رعاة الرنه والقبائل المغولية فقد بدأت تأهل بالسكان بعد إلغاء السخرة وبخاصة أثناء مد خط السكة الحديدية الذى يخترق سيبريا والذى بدأ سنة 1891 وأتمل سنة 1906 وما زالت سيبريا حتى يومنا هذا من الجبهات العظيمة الرائدة للإتحاد السوفييتى .
وثمة منطقة آخرى جديدة هى المنطقة التى تغطى الصحارى المحرقة فى كازاخستان وهى التى تفصل العالم الروسى عن الواحات الآهلة بالسكان والتى تحميها سفوح هضاب آسيا الوسطى وجبالها .
وآسيا الوسطى ـ ذلك التجويف الشاسع الذى تحتله المنخفضات المغلقة ببحر آرال وبحر قزوين ـ يقطنها فى مناطق الجنوب الصالحة للسكنى والمنحدرون من القبائل الرحل التى تزعمهما جنكيزخان وتيمورلنك وإنحسار هؤلاء الغزاة حرر جماعة من أصل روسى من الفرسان الشاردين عزلهم القياصرة عند ضفاف الفولجا وعلى هذا النحو دخل القوزاق تاريخ روسيا .
- أولوية الصناعة الثقيلة
الإتحادات الصناعية
ومع أن إمبراطورية القياصرة القديمة ولم تكن محرومة من كل إمكانية صناعية إلا أنها كانت بلادا زراعية بوجه أخص وكان أهلها متخلفيين تخلفا ملحوظا غير أن هذه الأمة أصبحت فى نصف قرن الدولة الإقتصادية الثانية فى العالم على الرغم من التدمير الذى جرى على أرضها نتيجة الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية ( 1817 ـ 1922 ) ولما كان زعماء الكرملين هم المسيطرون على كل وسائل الإنتاج والتبادل والصناعات والنقل والقروض فإنهم لم يدخروا وسعا فى توجيه المجهود القومى نحو القطاعات التى تعرف بقطاعات الأساس وأعنى الصناعة الثقيلة وصناعة الأجهزة وتطور هذه القطاعات هو الذى يضمن الإستقلال الإقتصادى والقوة العسكرية للبلاد
وقد دفعت المركزية الإدارية فى إتخاذ القرارات والأولوية الممنوحة للصناعات الثقيلة ـ دفعت رجال السياسة إلى تنظيم الإقتصاد فى إتحادات كبرى وهذا هو الأسم الذى يطلق على التجمعات التى تؤلف بين الصناعات ذات الأنشطة المتضامنة داخل منطقة إقتصادية واحدة وتحت إشراف إدارة واحدة وهى تضم ـ على سبيل المثال ـ مناجم الحديد ومناجم الفحم ومنشئات مختصة بصناعة الحديد وذلك حتى ورش التركيبات الميكانيكية وكانت هذه منذ البداية صورة التجمعات الحديثة للمصانع المتكاملة .
وهكذا يمكن أن تعد الصناعة السوفيتية أشد الصناعات تركيزا فى العالم وتمركزها الذى يتقرر فى المقام الأول ويتوقف على تحديد "عوامل الإنتاج" فهو يتجمع إذن على الأخص حول مناجم المعادن والمراكز الكهرومائية وكذلك حول المدن حيث تتوفر الأيدى العاملة الماهرة
- البلاد كلها تدار كأنها مشروع واحد
ويخضع نمو الإتحاد السوفييتى لمؤشرات المشروعات وقد حددت مدة المشروع بخمس سنوات وفقا لقرار اتخذ سنة 1928 وهى من الأهمية بحيث أن كلمة Piatiletka الروسية ومعناها "مشروع السنوات الخمس" أصبحت إسما متداولا على الألسنة والمشروع يحدد أهدافا ويقترح المسائل الكفيلة ببلوغها وهدف كل وحدة إنتاجية هو تحقيق أو تجاوز الخطة بزيادة الإنتاجية أو بتشجيع "المنافسة الإشتراكية" بين العاملين والستاخانوفيزم نسبة إلى عامل المناجم إلكسى ستاخانوف الذى ضرب فى سنة 1935 جميع الأرقام القياسية فى إستخراج الفحم هى أكثر الأشكال شهرة فى هذا السباق للإنتاج .
ويعهد بصياغة الخطة الخمسية إلى لجنة الدولة للتخطيط والتى انشئت سنة 1921 وهكذا يتجه النظام الإقتصادى كله إلى أن يدار كأنه مشروع واحد هائل ويسمح التخطيط بتوفير موارد هائلة للقطاعات المطلوب تنميتها ومن الناحية المضادة يمكن أن نتهمها بالتباطؤ وبالأفتقار إلى المرونة وكثيرا ما تشير الصحف السوفييتية إلى حالات متعددة من التبديد ونقص الكفاءة .
- الإمكانيات الإقتصادية
ومن الضرورى أن نورد هنا بعض الأرقام لإعطاء لمحة عن الإمكانيات الإقتصادية للإتحاد السوفييتى وينبغى أن نضيف إلى المنتجات الزراعية المذكورة فى هذا الجدول القطن الذى يجمع منه أكثر من مليونين من الأطنان (الثانى بعد الولايات المتحدة) والشعير والشوفان والشيلم وعباد الشمس والقنب والكتان والشاى والطباق والفواكه وقد وصل المحصول الإجمالى للحبوب إلى 181 مليونا من الأطنان وجعل من الإتحاد السوفييتى وهو مستورد للقمح على الرغم من إنتاجه الهائل الثانى فى الترتيب بالنسبة للعالم فى هذا القطاع وتقسم الأراضى المزروعة وهى بنسبة 10.4% من المساحة الإجمالية مناصفة تقريبا بين 34.000 كولخوزا (وهى التعاونيات الزراعية فى الإنتاج) و15.000 سوفخوزا (وهى مزارع الدولة التى أنشئت سنة 1918 وأصبحت محطات تجريبية) وتغطى البرارى 16.8% والغابات 40.6% من مساحة البلاد .
وإلى المنتجات الصناعية نضيف سلع التجهيز
والأستهلاك ومنتجات النسيج والمحاريث وإستغلال المناجم يزود أخيرا بالأضافة إلى المواد المذكورة والزئبق والمنخنيز والفوسفات وبعض المعادن النادرة والثمينة (حوالى 400 طن) ويقدر الدخل القومى بحوالى 300 مليار من الروبلات (الروبل يساوى 0.987 جراما من الذهب وينقسم إلى 100 كوبك) .
- منها 150 مليون طن من اللجنيت ( الثانية على العالم )
- الولايات المتحدة من الدول المستوردة للكروم
- الرقم الخاص بسنة 1968
- الرقم الخاص بسنة 1970
- نمو المدن
لم تختفى روسيا القديمة الريفية بتعميم النظام الجماعى للأرض ومع إستخدام المحاريث الآلية فما زال أكثر من ثلث سكان الإتحاد السوفييتى يسكنون فى الريف ولما كانت مشروعات إنشاء المدن الزراعية Agro – villes باهظة التكاليف (مراز إسكان متحضرة للريفيين) فهى مازالت فى المرحلة التجريبية ولا يختفى الكوخ الخشبى من مناطق الغابات ولا الخاتا الأوكرانية المنصنوعة من اللبن إلا تدريجيا وكذل خيمة القبائل الرحل فى آسيا .
ومع ذلك فإن نهضة المراز الحضرية تعد من أعظم الواهر الإجتماعية فى الحياة السوفييتية فهى تحبذ بمساعدة ترك الموانين على إلتحام سكان المناطق المختلفة وتعد مدينة موسكو مدينة نموذجية من هذه الناحية لأنها المدينة التى تلتقى فيها الجماهير القادمة من شتى الأنحاء ولما كانت موسكو مركزا جغرفيا للسهل الروسى ومدينة صناعية وعاصمة امه تتميز ببيروقراطية قادره فإنها توحى للمرء بإنها ساحه هائله وجميع معالمها الأثرية رموز من قلعة الكرملين التى حمل إليها المعمار الإيطالى ثمارا مسرفة فى الغرابة إلى محطات المترو الباذخة بما فيها من مقادير هائلة من البرونز والرخام .
والإتحاد السوفييتى هو أيضا بلد المدن الفطرية ذلك أن إستغلال منجم أو إنشاء قناطر أو إقامة مركز للأبحاث يرفع إلى مستوى المدن الكبرى وقرى كانت غافية أو يبعث وسط الصحراء الممتده خلال بضعة عقود مدينة آهله بالسكان .
- هل يحقق المستقبل وعود الرجال ؟
أعلن الزعماء السوفييت منذ سنة 1957 وفى أكثر من مناسبة ظهور الوفره والرخاء والواقع أن ظروف المعيشة قد تسنت بيد أن التموين مازال قاصرا كما تحدثوا أيضا عن اللامركزية الإدارية وحبذوا درجه معينه من الإستقلال الذاتى فى إدارة المصانع والكولخوزات غير أن كل قرار هام يصدر اليوم كما كان يصدر بالأمس عن موسكو ولم يخفف شيئ من المركزية التقليدية كما أشاروا إلى نوع من التحرير وهو شيئ واقعى إذا قارنا العهد الحاضر بعهد ستالين
ويبدو أن الإتحاد السوفييتى ذلك العملاق ألإقتصادى والسياسى والعسكرى مازال يبحث عن وسائلة الفنيه الخاصة بالإشراف والإدارة وإنه ولجهد عظيم ذلك الذى أتاح لشعوبه أن تحول وبسرعة من المجتمع الإقطاعى إلى الدولة الحديثة التى كانت الدولة الثانية فى إمتلاك القنبلة الذرية والأولى فى إرسال رجل إلى الفضاء وما زالت السياحة إلى الضريح القائم فى الميدان الأحمر يجتذب أفواجا من الناس ترى ماذا يفعل الجيل القادم فى هذه الأمة الشابه التى عرفها مؤسسها بأنها "دوله بروليتاريه مصابه بتشويه بيروقراطى " هل تكون كما حددتها صيغه آخرى " روما ثالثة ولن يكون بعدها روما رابعة "إن التنبؤ بهذا اليوم يحتاج إلى جرأه شديدة وبصيرة ثاقبة .
مواضيع ذات صله:
- وثائقى ليون تروتسكى